المسيّرتان المفخختان اللتين أُسقطتا في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت كانتا معدتين للتفجير واستهداف مقرّا أساسياً لحزب الله تتواجد فيه شخصية ذات مستوى رفيع .
ولكن، ٥ كلغ ونصف من مادة الـC4 كفيلة باسقاط مئات الشهداء وتدمير أحياء .
المبنى المستهدف موجود في وسط حيّ سكني وفي جوار يقطنه مدنيون وأطفال ونساء وكهول وشباب.
في المفهوم السياسي، خرقت اسرائيل القرار ١٧٠١ واعتدت على السيادة والأراضي اللبنانية.
ولكن أكثر، فان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في هذا الفعل ومعه نظامه ودولته (إن صحّ التعبير) ارتكبوا جرماً وفق تعريف القانون الجنائي الدولي يوصف بما يلي :
عدوان(Agression)، وإرهاب (Terrorism) وجريمة ضدّ الإنسانية(Crime against Humanity). وعليه يشكل العمل العدواني الإرهابي الذي ارتُكب بواسطة مسيّرتين مفخّختين على لبنان انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة.
يشكو لبنان منذ زمن من اعتداءات وانتهاكات اسرائيل المتعددة والمتتالية الى مجلس الأمن ويُكتفى دوليا عند هذا الحد، إذ أكثر ما تحصل عليه الدولة اللبنانية مجموعة بيانات تدعو لضبط النفس.
عسكرياً، للدولة اللبنانيّة حقّ الرد والدفاع. هذا ما صرّح به فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الذي أعلن ان اسرائيل أعلنت بداية حرب بهذا الاعتداء.
أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله وفي خطاب الاحتفال بالنصر الثاني على الإرهاب في جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية كان واضحاً وصريحا ومباشرا بأنّ الردّ آتٍ ولو بعد حين قريب.
على المستوى الحكومي الرسمي يُنتَظر أن يصدر موقفا حاسما رسميا رافضا وشاجبا ومهددا للعدوان الاسرائيلي تليه شكوى مباشرة الى مجلس الأمن. ولكن، ماذا بعد؟.
اسرائيل ليست من ضمن "الدول" الـ١٢٣ الأطراف الموقّعة على معاهدة "روما" الدولية التي اقرّت في العام ١٩٩٨ والتي انشأت المحكمة الجنائية الدولية والتي دخلت حيّز التنفيذ في العام ٢٠٠٢ ولم تنضمّ اليها حتى الساعة.
نشير أنه في العام ٢٠١٧ أضافت الدول الأعضاء جريمة العدوان الى قائمة الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائيّة الدولية وهي كانت فقط: الجرائم ضدّ الإنسانية، جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
لا تعريف محدّد دولي جامع لمفهوم وأركان جريمة العدوان وشروطها في القانون الجنائي الدولي لتداخلها مع الطابع السياسي؛ وذلك رغم محاولات فقهيّة عدّة لا سيما في مؤتمرات ورش عمل مؤسسات الأمم المتحدة.
بعد ان كان المقصود بالعدوان شنّ عمل عسكري واسع النطاق من دولة على دولة أخرى بهدف الاحتلال تتجّه الدراسات والمناقشات الدوليّة الى توسيع دائرة البحث لتشمل أي عمل من دولة باتجاه أخرى بهدف القتل والتنكيل والتدمير.
هل تبقى اسرائيل و رموزها دون محاسبة ومحاكمة دولية على جرائمها ومجازرها ومذابحها في لبنان وفلسطين وسوريا؟. لا صلاحية للمحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة المسؤولين الاسرائيليين كون اسرائيل غير منضمّة لميثاقها.
لا بدّ من تحمّل المسؤولية الوطنية وايجاد بدائل على المستوى السيادي الدولي تضمن كرامة الوطن وشعبه، وعدم الوقوف عاجزين امام العوائق السياسية والقانونية الدولية. الواجب الوطني يفرض التحرّك التصعيدي دفاعا عن السيادة والحقوق منها :
اولاً: الطلب من مجلس الأمن الدولي بقرار حكومي لبناني تحت الفصل السابع بإنشاء محكمة دوليّة خاصة مشابهة لمحكمة يوغوسلافيا وكمبوديا ورواندا والمحكمة الخاصة بلبنان للبدء بتحقيقات ومحاكمات بحق الجرائم المرتكبة في لبنان من الاسرائيليين، ولمحاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو على إرسال مسيّرتين انتحاريّتين للتفجير والقتل في الضاحية الجنوبية، مع ما يدعو الى البحث والتحقيق فيما اذا كانت اسرائيل قد ارتكبت سابقاً عمليّات اغتيال في لبنان بوسيلة المسيّرات المفخخة.
ثانياً: اللجوء الى المحكمة الجنائيّة الوطنيّة وفقاً للمبدأ الحديث في مفهوم الصلاحيّات المعروف بالاختصاص العالمي اذ ان الجريمة حصلت على الأراضي اللبنانية. وعليه، تُحال قضية المسيّرتين المفخّختين الى المجلس العدلي اللبناني بمرسوم حكومي لمحاكمة نتانياهو وغيره من الشركاء والمتدخّلين في الجرم المسؤولين العسكريين والمدنيين أينما وُجِدوا وفي أيّ إقليم كانوا. ولئن كانت المحاكمة غيابية. وذلك على غرار نظام الإجراءات المتّبع في المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان الّتي تطبّق للمرة الأولى عالميًّا نظام المحاكمة الدوليّة الجنائيّة الغيابيّة بالكامل (In Absentia).
الكرامة الوطنية ركن أساسي للسيادة ولا يجب الاستهانة بها ولو بعد موت الأعداء.
في القراءة السياسية، نتانياهو اللاهث خلف تسجيل الأهداف الوهميّة السياسيّة والعسكريّة وهو على أبواب الانتخابات سجّل انتحارا في لبنان.
إسقاط مسيّراته بحجر مواطن لبناني، تذكّر بانتفاضة الكرامة الفلسطينيّة التي دافع بها الفلسطينيّون عن ارضهم بسلاح الحجر.
لم تسقط فقط المسيّرتان في لبنان، بل سقط نتانياهو بذاته.