لم تمضِ أكثر من 48 ساعة على اجتماع مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، حتى بدأت أولى الخطوات العمليّة للبنان الرسمي بمواجهة الإعتداءات الإسرائيليّة، إذ طلق عناصر من الجيش اللبناني النار على ثلاث طائرات اسرائيلية مسيّرة حلّقت فوق أحد مراكزه في منطقة العديسة الجنوبيّة، والتي باتت عنوانا للتصدّي بعد حادثة "الشجرة" الشهيرة في شهر آب عام 2010.
في اجتماع مجلس الدفاع، أكد رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة، ضرورة مواجهة أيّ خرق اسرائيلي بالتزامن مع حقّ اللبنانيين بالدفاع عن أنفسهم، وهذا ما حصل في العديسة، ما يؤكّد أن الجيش بات يملك الضوء الاخضر في المواجهة مع أبسط الخروقات، وعندما يرى ذلك مناسبا.
تشير مصادر مطّلعة الى أنّ ما حصل في العديسة يحمل في طيّاته الكثير من الرسائل التي يمكن الوقوف عندها، فأولاً، أطلق الجيش النار من سلاح الـM16 الأميركي، على طائرات إسرائيليّة، وهذا يدل على أن الجيش لن يتوانى بالدفاع عن لبنان في مواجهة أي عدو، رغم "تمنّيات" الاميركيين الذين يملكون موقفا واضحا من الصراع العربي-الاسرائيلي، والصراع اللبناني-الاسرائيلي، مشددة على أنه ورغم أهميّة المساعدات التي يحصل عليها الجيش من قبل أميركا، إلا أنّ ذلك لن يوقفه عن مواجهة أيّ اعتداء اسرائيلي، ما يؤكد رفض الجيش لشروط التسليح الاميركي.
وفي هذا السياق يؤكّد العميد المتقاعد هشام جابر ان الاميركي بدأ بالضغط على لبنان لمحاولة ثني الجيش عن تنفيذ واجبه بالدفاع عن وطنه، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن الأميركي الذي يملك حصريّة تسليح جيشنا استغرب استعمال الجنود لبنادق الـM16، بمواجهة اسرائيل، وكأنّه أعطانا البنادق لنطلق النار على بعضنا البعض لا على أعدائنا. ويضيف جابر: "الجيش قام بواجبه وتصدى للخروقات الاسرائيليّة انسجاما مع قرارات مجلس الدفاع الأعلى وانسجاما مع الموقف الرسمي لرئيس جمهورية لبنان وحكومته".
الصورة الثانية التي ظهرت في تصدّي الجيش للطائرات الإسرائيليّة المسيّرة، هو مشهد المواطنين وهم خلف الجيش، الامر الذي تم تصويره بواسطة كاميرات الهواتف الخلوية وانتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل، ليثبتوا للعالم أنهم خلف جيشهم ومؤمنون بأن الجيش يمثّلهم في صراعهم مع اسرائيل.
بعد التهليل اللبناني لعمل الجيش والذي يعتبر أمرا طبيعيا، نتوقف قليلا عن التهويل الأممي الذي صدر على لسان "اليونيفيل" في لبنان، اذ حذرت من ان إطلاق النار ربما يكون قد ادّى إلى عبور عدد من الرصاصات الحدود نحو اسرائيل، ما يشكل خرقاً للقرار 1701، وهذا الخبر ليس لإضحاك الجمهور، إنما هو خبر حقيقي يُظهر مدى الانحياز الاممي نحو تل أبيب، الامر الذي يراه جابر مستغربا، خصوصا "عندما تظن "قوّات اليونيفيل" انّ الجيش اللبناني سيكون حارس حدود للعدو الاسرائيلي".
ويضيف جابر: "يتحدث البعض عن أن دخول الجيش على خط المواجهة هو توريط للبنان، وهذا الامر هو الاكثر سخافة، اذ ان هؤلاء الذين يعتبرون ذلك يسيرون بالخط الاميركي-الاسرائيلي، لان العدوان الذي حصل في الضاحية هو على لبنان لا على حزب فيه، واستهدف منطقة آمنة وآهلة، وهذا ما أكّده رئيس الجمهورية"، مشيرا الى "أن على هؤلاء أن يتوقفوا عن الكيل بمكيالين، فمن جهة يطلبون ان تلعب الدولة دورها كاملا في حفظ الامن، ومن جهة ثانية يريدون للجيش أن يتفرج على العدوان الاسرائيلي ولا يحرّك ساكنا".
على صعيد آخر، لا يزال الإستنفار الإسرائيلي مستمراً، ويترافق ذلك بحسب المصادر المطلعة مع تأهب واسع عند حزب الله، فقد منع الحزب عناصره من السفر حالياً لأيّ مكان، وأبلغهم بضرورة البقاء في مدنهم وقراهم تحسباً لأيّ شيء، كما تمّ إغلاق جميع المعسكرات التدريبيّة، اضافة الى عدد من الإجراءات التي ترفض المصادر الإفصاح عنها.