لا يحتاج الامر الى الكثير من التفكير لمعرفة انّ الوحدة العربيّة باتت مجرد عبارة يتلطى خلفها المسؤولون العرب، كي لا يتم اتهامهم بأنهم سبب انفراط العقد العربي، وليس سراً ان كل بلد عربي "يغني على ليلاه" ويصدر موقفاً من هنا وآخر من هناك يظهر بشكل واضح مدى التناقض الكبير الموجود في الفكر السياسي والاقتصادي والحياتي ايضاً لهذه الدول. ورغم التمسك بالشكليات كالاصرار على انعقاد قمة عربية دورية سنوية غالباً ما بات يغيب عنها عدد كبير من القادة العرب اما بسبب التقدم الكبير في العمر وعدم القدرة على المشاركة، او بسبب تفضيلهم القيام بأمور اكثر فاعليّة وجدّية، فإنّ الواقع العربي يسير يوماً بعد يوم نحو منحدر سحيق لا يقدر احد ان ينتشله منه، ولعل الدليل الاكثر حداثة في هذا السياق، الاعتداء الاسرائيلي الاخير على لبنان والمواقف التي صدرت عن الدول العربية.
صحيح ان الامين العام للجامعة العربية اعرب عن تضامن ووقوف الجامعة الى جانب لبنان بعد هذا الاعتداء، الا ان اصواتاً "بالمفرق" لم تكن على هذا القدر من الحماس في اصدار، ولو موقف شكلي علني، ومنها صوت وزير خارجية البحرين الذي كانت له في المدى القريب المنظور لقاءات مع مسؤولين لبنانيين رسميين لدى تمثيله بلاده على هامش الاجتماعات العربية في اكثر من مناسبة، حيث لم يعلن استنكاره للاعتداء او رفضه، بل دعمه وكان اشبه بوزير خارجيّة اسرائيل. قد يكون هذا الوزير "العربي" قد تأثر جداً بنظيره الاسرائيلي الذي "سيطر" عليه وجعله اكثر استيعاباً للدعاية الاسرائيليّة، وربما اعتبر الوزير البحريني انه كان غائباً عن السمع والاحداث والتطورات وبات اكثر وعياً بعد اللقاء مع الوزير الاسرائيلي، وعليه قد يجد من المنصف بالفعل ان تنضمّ اسرائيل الى جامعة الدول العربيّة، وقد يأخذ على عاتقه اقناع الاسرائيليين بهذه الخطوة.
اقل ما يقال عن موقف الوزير البحريني انه خارج اللياقات الدبلوماسيّة، ناهيك عن كونه خارج التعاطي العربي المفترض ان تتمّ المحافظة عليه شكلاً على الاقل، فلبنان تعرض لاعتداء من دولة يجمع العرب بشكل رسمي (حتى اشعار آخر) على اعتبارها عدوّة، ولا مكان هنا لتصفية حسابات سياسيّة ضيقة بين بلدين عربيين، وكان بامكانه الاستنكار ثم ان يدلو بدلوه في ما خص الصراع الذي يريده مع ايران وغيرها. واليوم، بات يمكن للبنان اذا ما تعرضت البحرين لاعتداء عسكري من دولة اخرى ان يبرّر هذا الاعتداء اياً تكن الدولة المعنيّة، فما هي الرسالة الواجب حفظها في هذا السّياق؟ اذا كان للبحرين حسابات مع ايران فهذا شأنها ولتقم بما تريده في هذا المجال، واذا كانت على خلاف مع حزب الله، فالحزب ليس لبنان الرسمي وهو احد الاحزاب اللبنانية فيما العلاقات بين الدول لا تكون مع الاحزاب بل مع المسؤولين الرسميين، والا لكانت كل الدول التي تقاطع حزب الله قاطعت لبنان والغت علاقاتها معه، ولكانت العلاقات الدبلوماسية مسيّرة وفق العواطف فقط والمصالح الشخصية.
قد تكون البحرين قد اطلقت رصاصة الرحمة على الوحدة والتضامن العربيين، وربما هذا العنصر الايجابي الوحيد في موقف وزير خارجيتها من الاعتداءات على لبنان، وربما يجب التعاطي مع الامور بواقعية واعلان تشتّت العرب بشكل رسمي، او العمل على وضع خطط عمليّة وواقعيّة تجمعهم في خندق واحد لتكون لكلمتهم مفعولها، لكنه للاسف امر صعب ان لم يكن مستحيلاً. ما الذي بقي من الجامعة العربيّة في ظل مثل هذه المواقف، والخلافات التي تضرب العرب بعضم ببعض؟ ومن الذي تجمعه هذه الجامعة، وتحت اي اعتبار؟ ربما يكون افضل للجميع اعلان حلّ هذه الجامعة بشكل رسمي، بعد ان تم حلّها بشكل عملي.