فعلًا، حين يقولُ اللبناني "حمى الله لبنان"، فإنه هذه المرة يعرفُ ماذا يقول؟ ولماذا يقول؟ لأنه هذه المرة الضربات تحيطُ به من كلّ صوب:
من الداخل ومن الجو وعبر البحار، ولا يعرف من أين المفر؟
***
لعل الصورة المحزنة التي شاهدها اللبنانيون أمس تمثّلت في مشهد سبعة باصات اتجهت الى السفارة الكندية، بالاضافة الى سيارات "فان" متوسطة الحجم وسيارات صغيرة، ورفع مَن فيها يافطات كُتِب عليها هذا الهاشتاغ:
"#بدنا_نهاجر_من_لبنان"
السؤال هنا:
هل صحيحٌ أن الوضعَ في لبنان وصلَ الى هذه الدرجةِ من السوءِ، إلى حدٍّ يمكنُ معه القول: لا حلّ إلا بالهجرة؟
من التحامل القول إن كل الامور عاطلة، كما من المبالغة القول إن الامور بألف خير. ومن أجل التوصل الى خلاصة موضوعية، لا بد من تصوير اللوحة كما هي من دون زيادة أو نقصان، وهكذا يكون الجميع على بيِّنة مما هي عليه الاوضاع.
***
لو لم يكن الوضع صعبًا لَما كان رئيس الجمهورية "دق ناقوس الخطر" وأعلن الاستنفار العام الاقتصادي والمالي من أجل طاولة الحوار بعد غد الاثنين.
الهدف من كل ذلك التوصل الى موازنة العام 2020 بطريقة مغايرة لِما هي عليه العام 2019. والإجراءات الموجعة التي سيتم الاتفاق عليها هي التي ستسهّل عمل وزير المال علي حسن خليل الذي سيعد الموازنة كما ستسهّل عمل مجلس الوزراء
الذي سيناقش الموازنة كما ستسهّل عمل مجلس النواب الذي سيصادق على الموازنة.
رئيس الجمهورية، أراد أن يأخذ موافقة الجميع قبل أن تأتي القرارات التي لم يكن أحد يجرؤ على اتخاذها قبل ذلك وتحديدًا أثناء مناقشة موازنة العام 2019.
***
فبين الأمس واليوم: لماذا ما كان مرفوضًا في الأمس، أصبح اليوم مقبولًا؟ هل لأن من دونه نصبح في قلب الانهيار؟
فأثناء مناقشة مشروع موازنة 2019. طرح الرئيسُ سعد الحريري مقايضةً بين رفع ضريبةِ الفوائد من 7% إلى 10% مقابل خفضِ الرواتبِ والأجورِ في القطاع العام بنسبة 15%. لكن هذا الطرح لم يمرّ، وسلَّم الجميع بعدم القدرة على تمريره، وصدرت الموازنة بالطريقة التي صدرت بها، وتوسعت حولها الملاحظات.
واليوم، المطروح هو ما كان مرفوضًا، فما سُرِّب (ربما عمدًا) يمكن اختصارُه بالتالي:
تجميد الرواتب والأجور في القطاع العام لثلاث سنوات. أي أنه لن يكون هناك تضخم في كلفة الرواتب والأجور في موازنة العام 2020. رفع سعر صفيحة البنزين خمسة آلاف ليرة ، مع تحديد سعر أدنى لسعر الصفيحة، أي أنه في حال انخفاض السعر العالمي إلى أدنى من السعر المحدّد، يتحوّل الفرق بينهما إلى إيرادات للخزينة.
زيادةُ الحسم من معاشات التقاعد من 6% إلى 7%. زيادةُ ضريبة فوائد الودائع المصرفية من 10% إلى 11%. زيادةُ شطرٍ على ضريبة القيمة المضافة يختص بما يسمى كماليات، ويكون معدّل الضريبة عليه 15%، على أن تحدّد لائحة الكماليات لاحقاً وأن تبقى الشطور الأخرى خاضعة لضريبة القيمة المضافة بمعدل 11%.
***
التحدّي في السير بهذه الإجراءات هي في ضبطِ الشارعِ، فماذا لو تحركت الهيئاتُ النقابيةُ والاساتذةُ وغيرهم، هل الذين سيجتمعون في بعبدا يملكون القدرةَ على ضبطِ الشارع؟