اشار نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب خلال إحياء الليلة الأولى من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس، الى اننا "نحيي ذكرى استشهاد ابي عبد الله الحسين واصحابه وابنائه والشهداء في بداية موسم حسيني، نعبر فيه عن هذا الحب وعن هذا التعلق وعن هذا الايمان، الذي بقي مستمرا رغم كل الظروف ورغم كل الاوضاع التي مرت والتضحيات الكبيرة التي كتبت في هذا السبيل على طريق سيد الشهداء واهل بيت رسول الله، فهذه المجالس نعبر فيها عن هذا التعلق وعن هذا الانتماء لاهل بيت رسول الله، الذي امر الله سبحانه في كتابه العزيز بقوله: قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى، ونحن نعبر عن هذه المحبة وهذا التعلق لهذا النهج ولهذه المسيرة التي حفظت الدين وحفظت الايمان حتى بقي الايمان وبقي النهج وبقيت العقيدة والشريعة سليمة صافية من الانحراف. وفي بداية هذه الليالي، يصادف ايضا ان بداية شهر محرم اصطلح عليه ان يكون بداية عام هجري جديد، فهذه الهجرة النبوية الشريفة التي كانت من اجل حفظ الدين في مرحلة جديدة من مراحلها بعد ان لم يستطع الرسول واصحابه ان ينطلق بهذه الرسالة في مكة، فاضطر الى الهجرة الى المدينة، حيث اسس الارضية اللازمة لقيام هذا الكيان الذي اتسع، وكانت البداية من هذه النقطة ان يؤسس لدولة، فهذه الدولة وهذه الرسالة انتشرت في مساحة كبيرة من الارض، لان هذه الرسالة كما غيرها من الرسالات معرضة للتشويه وللانحراف وللتأويل الخاطىء، وهي بحاجة دائما لمن يحفظها ويحافظ ويغار عليها ويدافع عنها. ولان هذه الامة كأي امة اخرى قابلة لان يطغيها عظمة الامكانيات والجاه والسلطة، ويمكن ان يكون حينئذ الدين والاسلام مستغلا لاجل غايات شخصية او لاجل غايات محدودة او مادية، فيصبح شأن الامة حينئذ شأن سائر القوى التي كانت متحكمة في العالم ككسرى وقيصر، فيخشى ان تعود الامة قيصرية او كسروية، لذلك فهي بحاجة لمن يصحح المسيرة ويقف في وجه الانحراف، فمن اجل هذا كانت فلسفة الامامة في الاسلام. والائمة في الاسلام صلوات الله عليهم كان لهم هذا الدور في الحفاظ على العقيدة والشريعة، وخصوصا بعد ان اخذت طريقا غير سوي وانحرفت عن النهج غير الصحيح، فكان للائمة عليهم السلام هذا الدور في حفظ هذا النهج ومواجهة الانحراف وفي الابقاء على سلامة الدين والشريعة. لذلك كان لكل امام من ائمتنا الدور المناسب لوقته الذي استطاع من خلاله القيام بواجبه على اكمل وجه. الا ان الدور الاساسي الذي اكد عليه رسول الله وائمة اهل البيت هو الدور الذي قام به الامام الحسين في ان يميز وان يفصل بين المصالح الدنيوية وبين الشريعة وسلامتها، وبين الخلافة والسلطة وبين الدين والاسلام بعد ان كاد الحكام الذين ارادوا ان يستغلوا هذا الدين لمصالحهم الشخصية ولبقائهم في السلطة ولاستغلال الدين في نفوذهم ومكاسبهم المادية".
واضاف: "كانت ثورة الامام الحسين هي التي اوضحت هذا المائز وسلبت هذا الغطاء عن هؤلاء الحكام الذين ارادوا لهذا الدين الانحراف عن اهدافه الحقيقية. ولهذا نرى ان الرسول ومنذ البداية وحين ولادة الامام الحسين الذي كان يجب ان يكون محل فرح، فحين بشر الرسول بولادة الحسين بكى، فسألوه متعجبين ان الامر يقتضي الفرح والاستشبار، فلماذا تبكي يا رسول الله ؟ فاجابهم: ان ولدي هذا ستقتله الفئة الباغية في ارض يقال لها كربلاء، وهكذا بعد استشهاده كان ائمة اهل البيت يركزون على اقامة هذه المجالس وقد اقاموها بانفسهم ودعوا اليها شيعتهم ومحبيهم لتكون هذه الثورة مدرسة دائمة لهم ولاجيالهم الى اخر الزمان، لان هذه المدرسة هي مدرسة الاصلاح وحفظ الشريعة في مواجهة الانحراف والظلم والعدوان وفي سبيل الكرامة والعزة".
وتابع الخطيب: "لقد قام ائمة اهل البيت بهذا الدور ودعونا لاحياء هذه المجالس، فورد عنهم: احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا، لان امرهم هو امر الله سبحانه، فامر اهل البيت هو امر الله، ولهذا كانت هذه العناية الكبيرة والدعوة المشددة على اقامة هذه المجالس لما لها من دور كبير في حياتنا وحياة الامة، لانها تهدد مصالح الذين يريدون استغلال هذا الدين للوصول الى ماربهم، لذلك كانت المحاولات المتعددة والكثيرة من اجل تشويه دور هذه المجالس والقضاء عليها، وفي كثير من الاحيان دفع شيعة اهل البيت ومحبوهم اثمانا كثيرة، دفعوا فيها ارواحهم وكثيرا من امنهم واستقرارهم وتعرضوا للملاحقة والظلم والعدوان من اجل طمس هذه الحقيقة واخفاء هذه السيرة وابعادها عن الاجيال، لعلها تفنى وتموت مع الزمن، ولكن شيعة اهل البيت الذين استجابوا لرسولهم وللائمة اقاموا هذه المجالس التي ليس كمثلها مدارس ومجالس في العالم كله، فاقاموا هذه المجالس في كل بيت وقرية وفي كل حي ومدينة وجدوا فيها وانتشرت وتربت الاجيال على تعاليمها وعلى ذكر اهل البيت واستمدوا من هذه المجالس هذه القيم والمعاني وهذا الدين".
واردف: "نحن في هذه الايام، نشعر اننا اقوياء واننا قمنا بهذا الدور الذي دعتنا اليه واستفدناه من كربلاء في مواجهة العدوان على ارضنا ومواجهة الظلم الذي تعرضنا ونتعرض له، ان التهديدات التي توجه الى بلدنا والى مقاومينا ومجاهدينا الذين حملوا السلاح دفاعا عن شرفهم وكرامتهم ودفاعا عن ارضهم وتاريخهم وعن هذه التضحيات التي اريد لها ان تنسى، هذه الكرامات وهذا الشرف وهذه المعاني التي قمنا بالحفاظ عليها والدفاع عنها اليوم يريد هذا العدو بالتهديدات والعدوان على لبنان ان يعرضها للمخاطر، وان يخيف شعبنا ويخيف مجاهدينا ليتراجعوا عن هذا الخط، ولكنهم من مدرسة اهل البيت ومن مدرسة علي بن ابي طالب ومن مدرسة الامام الحسين عليه السلام يقفون ثابتين على هذه المبادىء محافظين على هذه المعاني والمضامين، وبالتالي يثبتون لهذا العدو انه اعجز من ان يعتدي على كرامتهم وشرفهم، وبالتالي فهو يعود الى غطرسته ليحقق اهدافه وآماله الخائبة".
وتابع: "نفتخر جميعا اننا على مقاعد عاشوراء في مجالس الامام الحسين، ونفتخر بأننا نحافظ على هذه القيم وعلى هذه المبادىء التي من اجلها قام الامام الحسين واستشهد وقدم في سبيلها اغلى ما لديه، ابناءه وعياله الذين تعرضوا لابشع جريمة في هذا التاريخ. ان هذه القيم جديرة بان نحافظ عليها، واذا كان الامام الحسين قد دفع من اجلها نفسه العزيزة ودفع اغلى ما عنده واهل البيت عليه السلام الذين ننتسب اليهم، فجدير بنا ان نحافظ على هذه القيم، قيم الشرف والعزة التي يريدنا الاخرون ان نتخلى عنها، وفي لحظة من اللحظات عبروا عنها بانها مظاهر للتخلف، ولكنها كما رايتم ان هذه الانتصارات التي تحققت في هذا الزمن هي نتاج ثورة كربلاء ونتاج التعلق بقيم الدين ومدرسة اهل البيت. اننا نخاف على هذه القيم، ولذلك فان الانتصار ليس هو الانتصار العسكري وفي ساحة القتال فقط، القتال هو للحفاظ على كرامتنا وشرفنا وعلى قيمنا ورسالتنا، ان الذي جعلنا نستطيع ان نقف في وجه هذا العدو الذي يقف كل العالم وراءه، انما هي هذه المعاني الكربلائية التي نختزنها في نفوسنا وقلوبنا. والهدف اذا هذه القيم، هدفهم هو ضرب هذه القيم بالاعلام وتشويه هذه القيم في نفوس وعقول ابنائنا، لذلك يجب ان يكون هدفنا الحفاظ على هذه القيم، فلا نغتر بالانتصارات التي نحققها بالسلاح في مواجهة العدو الاسرائيلي، فان هذا ان لم يرافقه الحفاظ على قيمنا واخلاقنا وعلى الحلال والحرام فان هذا يذهب وينتهي، انما الذي يبقي هذه المعاني هو الحفاظ على قيم عاشوراء وعلى قيم كربلاء، اسال الله سبحانه ان تكون بداية مجالسنا في كل مكان ان تؤدي هذه المعاني وان توصلنا الى هذه القيم الحسينية وهذه الرسالة الالهية، تقبل الله منا وغفر لنا".
وفي الختام تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية. هذا، ويستمر احياء مجالس عاشوراء في مقر المجلس عند الساعة الثامنة والربع مساء حتى اليوم العاشر من محرم.