لم يكن موفّقاً رئيس جزب القوات اللبنانية سمير جعجع في عبارته التي اطلقها ونقل فيها عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قوله حين كان يشكو جعجع وزير الخارجية جبران باسيل: "قوم بوس تريز"، اذ كان واضحاً ان هذه العبارة (التي لم تستعمل بالفعل بشهادة القريبين والبعيدين عن القوات اللبنانية)، انما كانت تهدف الى جذب الجيل الشاب فقط، واعادت احياء هذه الاغنية الفكاهيّة بعد عقود من الزمن. وربما كان يمكن لجعجع ان يستخدم صفة "ابو ملحم" مثلاً لان هذه الشخصية اشتهرت بمحاولات تقريب وجهات الصلح واصلاح ذات البين بين الناس، اما "قوم بوس تريز" فلا هدف او مغزى لها سوى البسمة والفكاهة.
واذا انطلقنا من هذا المصطلح تحديداً وفق المفهوم الذي اطلقه جعجع، نجد ان الجميع تقريباً "قام باس تريز"، فرئيس الحزب الاشتراكي خلال زيارته "العائلية" الى قصر بيت الدين اعاد ربط الخيوط مع باسيل، حتى انه اعلن عن الاجتماع السياسي برعاية رئيس الجمهورية لتأمين الغطاء اللازم لتنفيذ الخطة الاقتصادية وبنود الموازنة. ورئيس الحكومة سعد الحريري "قام باس تريز" ايضاً وهو ما ظهر بوضوح في اكثر من مناسبة ولقاء واتفاق على عدد من الامور والمشاريع. وبدا جعجع الخاسر الوحيد من عدم تطبيقه لما اعلنه في هذا السياق، ولا شك ان مؤيديه ومناصريه سيردون بأن هذا الامر هو مصدر اعتزاز وفخر واثبات على استقلالية جعجع، وفي حين قد يكون هذا الكلام جيداً ومهماً، الا انه يبقى عملياً دون ترجمة، فالقوات لم تدخل الى الحكومة من اجل هذا الامر، ولعل مشاركتها لم تكن على قدر التوقعات التي وضعتها لنفسها اولاً والتي علّق عليها البعض آمالاً كبيرة ثانياً.
ويعتبر عدد من المراقبين ان سرّ تراجع القوات في الشق الرسمي والسياسي، مردّه الى نقل الصراع بينها وبين باسيل، الى بعبدا حيث تمّ ادخال رئيس الجمهورية كطرف فيه بعد ان كانت القوات تعمد الى تحييده، ولعل عدم تجاوب عون مع مناشدة القوات تدخله لدى باسيل، أدّى الى اتخاذ هذا المنحى. ومن غير المنطقي التعويل على توجيه دعوة قوّاتية عبر الوزير السابق ملحم الرياشي الى عون ليتمثّل في القداس الذي اقامته في الاول من ايلول لاستذكار شهدائها، للقول ان الامور تسير بشكل طبيعي بين الطرفين، فقد سبقها وتلاها استهداف بشكل مباشر وغير مباشر لقصر بعبدا وساكنه عبر وسائل الاعلام من جهة، وعبر مواقف سياسية من جهة ثانية صادرة عن مسؤولين وسياسيين "محسوبين" على القوات.
واذا غابت القوات اليوم عن الاجتماع الذي سيعقد في بعبدا على مستوى رؤساءالاحزاب، فهذا سيؤدي الى تراجعها بشكل اكبر، لأنّ الهدف من الاجتماع ليس وضع خطة اقتصاديّة، بل تأمين الغطاء لخطّة موضوعة وحظيت بموافقة المسؤولين الرسميين لكنها تحتاج الى دفعة معنويّة من الاحزاب للسير بها بشكل فاعل وناجح، بدل ان تبقى حبراً على ورق، ولتجنّب عرقلتها من قبل البعض إما عبر اقامة تظاهرات واعتصامات، او عبر العرقلة السياسية داخل المؤسسات الرسمية وخارجها. وبالتالي، في حال تأمّن هذا الغطاء كما هو متوقع، فإن القوات تكون قد غابت عن هذا القرار السياسي، وستكون مضطرة للسير به كما هو والاكتفاء بمعارضة ما لا يعجبها من الخطة لتسجيل موقف فقط لاغير.
قد يجد جعجع نفسه الى ان "يقوم يبوس تريز" عندما يرى ان الامور باتت تسير نحو منحى لم يعد يتحمله سياسياً واجتماعياً، كما ان غياب القوات عن المسرح الاقتصادي والمالي في هذه الفترة بالذات، ليس مصدر قوّة بل على العكس، فهل سنشهد "البوسة" المنتظرة؟.