إذا كان الرأي العام اللبناني مشغولاً بعاملين: المواجهة مع إسرائيل والوضع الإقتصادي الحسّاس، فإنّ الكباش حول ملف الكسّارات يشتدّ علناً بين المعنيين والسياسيين. فقدّمت الاسبوع الماضي "هيئة المبادرة المدنية" مذكّرة إلى النيابة العامة الاستئنافيّة في بعبدا للتبليغ عن "التفاف الكسّارات في جبل عين داره على قرارات الختم بالشمع الاحمر وعودتها الى العمل مع خروج اكثر من ١٠٠ شاحنة بحص يوميا من جبل عين داره". وأشارت المذكّرة إلى التسهيلات السياسية والبلدية التي واكبت هذا الخرق للاشارات القضائية. وطالبت المذكرة "بإستكمال عمليّات الختم بالشمع الأحمر لكي تشمل شركات العرب وشعبان، والحجز على ستوكات الكسّارات المكوّنة خلافا للقانون، قبل تفكيك الكسّارات بشكل نهائي ووضع آليّة رقابة فعّالة". هذا ما جاء حرفيًّا في نص الدعوى التي اكدت بشكل واضح وجود كسّارات تم اقفالها لكنها لا تزال تعمل في الجرود بتغطية سياسية وامنيّة، في الوقت الذي تمّ فيه إقفال المقالع والكسّارات ومنع عمل اصحابها غير المحظيين بدعم سياسي وامني في الجبل". مما يؤكّد ما كانت ذكرته "النشرة" سابقا عن "كسّارات بسمنة وكسّارات بزيت" كمؤشّر الى المحسوبيّات والسمسرات الحاصلة في هذا الملف. فإلى متى يبقى الملف شائكاً ويزداد تعقيداً؟.
تقول مصادر سياسية معنية ان هناك "صراعاً حامياً بين القوى في الحلف الواحد احياناً، حول هذا الملف الذي خلط التحالفات على طاولة مجلس الوزراء، وبات وزراء التكتل الواحد مقسومين الى رأيين، وتبيّن أن رأي رئيس الحكومة سعد الحريري بالدعوة الى الدخول بمشروع تسوية، إستجابة الى مذكّرة مكتب محاماة آل فتوش في الولايات المتحدة الأميركيّة، أقرب الى موقف وزراء "حزب الله" و"الديمقراطي اللبناني" الذين تباينوا ضمناً مع وزراء التيار "الوطني الحر"، الذين إصطفوا مع وزراء "التقدمي الإشتراكي". تشابكت الحسابات، وزادت الاتهامات والشائعات والحروب الإعلامية من حّدة الإنقسام بعد التداول بأرقام مالية خيالية تفوق ٨٠٠ مليون دولار"، كان أشار اليها رئيس الجمهورية ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء كمبالغ ضرائبيّة وغرامات متأخّرة ومترتّبة على آل فتّوش. لكن وزراء "الحلف الواحد" لم يعارضوا علناً كلام رئيس الجمهورية الذي قاله في آخر الجلسة، وفضّلوا الإطّلاع على تقرير التفتيش المركزي، لتبيان خفايا الملفّ، قبل إظهار أيّ إنقسام على طاولة مجلس الوزراء بين أفرقاء الصف الواحد، ليزيد من حجم العتب الحاصل أيضا على خط بعبدا-خلدة بعد اللقاء الودّي في بيت الدين بين رئيس الجمهورية ورئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، او يُظهر التباين القائم بين حارة حريك والرابية بشأن هذا الملف، "نتيجة اندفاعة وزراء التيار بعد تبنّي الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لموقف بيار فتوش". واذا كان آل فتوش صامتين من دون كلام ولا همس، فإن حلفاءهم السياسيين تحدثوا في جلساتهم عن إعدادهم لـ"ملف قانوني سيفاجئ الكل".
ومن هنا قالت مصادر سياسية معنيّة لـ"النشرة "إنّ التقرير الذي تمّ رفعه للرئيس عون يتضمن قطبة لن تبقى مخفيّة، لأنّ هناك لغطاً كبيراً في جوهر التقرير". وعلى هذا الأساس فضّلت المصادر التريّث بناء على طلب المعنيين بالأمر، للردّ بالتفصيل على مضمون التقرير، من خلال دعوى قضائيّة سوف يتقدم بها المعنيون خلال الأيام المقبلة، "تُظهر حجم الأخطاء التي وقع بها معدّو التقرير"، وسألت المصادر: من اراد ان يوقع الرئيس عون بهذا اللغط؟ فليسألوا اولا وزارة الماليّة-وهي المعنيّة، عمّا اذا كانت هناك من متوجّبات؟.
وعلى هذا الأساس تصف المصادر نفسها ما يجري بأنها "حملة إعلاميّة شرسة، تتضمن شائعات وتركيبات لا صحّة لها"، وتعتبر ان "المساهمين في إبتكارها يسعون لتحقيق غايات شخصية، عدا عن الضغوط لوقف المسار القضائي الذي بدأ بتوجيه إنذار قانوني من مكتب محاماة في الولايات المتّحدة الأميركية". وترى المصادر السّياسية أنّ "الحل يكمن بالتسوية، لا بالمواجهات القضائيّة المفتوحة، لأنّ المسؤولية تتحملها قوى سياسية دأبت منذ العام ١٩٩٩ على التصرف بعشوائيّة، واقدمت على مخالفة القوانين والإستخفاف بالتراخيص لتفكيك وتقطيع الآليّات وإقفال كسارات لمصلحة أخرى".