لفت مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، ممثّلًا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال إحياء "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" الليلة الثالثة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس، إلى أنّه "كم يجدر بنا في هذه الذكرى الّتي تحيونها بكلّ ما في القلوب من عاطفة، وبكلّ ما في العقول من سعي إلى كُنه الحقائق السُميا للوجود، أن نتطلّع معكم إلى إشراقة وجه الحسين بن علي، وهو الّذي بلغ في شهادته وفي استشهاده قمّة من أرفع قمم التاريخ البشري، نبلًا وشجاعةً ومحبّةً وفداءً".
ونوّه إلى أنّه في الحقيقة "أكثر من رجل، بل هو أمّة في رجل وهو راية مرفوعة للحقّ المطلق في وجه الزيف والمساومات ونسبيّات المواقف ومحدوديّاتها. إنّه المؤمن بربّه إيمانًا وثيقًا والملتزم بإسلامه خادمًا له بالأمانة الّتي ما بعدها أمانة. وقد رأى في ما يجري حوله من تحوّلات وتبدّلات خطرًا داهمًا على الإسلام في صفائه، لا بل خروجًا عليه بانتهاك قاعدة المساواة بين المؤمنين وهم سواسية، وبالتباس في تصوّر قيادة الأمة ووضعها في الموضع السليم". وبيّن أنّه "رفض الأمر الواقع الّذي كان من شأنه أن يؤدّي إلى الوقيعة وانتفض للحقّ ولسلامة القصد بفعل ثورة بيضاء لوّنت بالأحمر على غير يد منه، بل كان ذلك إكراهًا له وغصبًا".
وركّز أبو كسم على أنّه "كان مع صحبه قلّة وكانوا في وجهه كثرة، فلم يأبه بموازين القوى بل اعتنق الحقّ ولو عاريًا من أيّ سند. وجبه الظلم والظلامة ومشى إلى استشهاده مشية الأصفياء، إيمانًا منه بأنّ الحقّ لا بدّ منتصر، وبأنّ جولته إلى قيام الساعة وبأن الباطل سيزهق لأنّ "الباطل كان زهوقًا". وشدّد على "أنّنا نحن معشر المسيحيين نتطلّع بالقلب والعين إلى استشهاد الحسين، ونرى فيه ملامح تشير إلى موت المسيح على يد الصالبين ومن وراءهم. وقد خافوا من قدسيّته وقرّروا حذفه من الوجود".
وذكر أنّ "السيد المسيح كان قد نشر تعاليم المحبّة والأخوّة والسلام. وهم واجهوه بالحقد والظلم الأعمى. فما تراجع عن رسالته بتغيير وجه الأرض عبر الأخوة الشاملة، بل قبل الموت حبًّا بالإنسانيّة كلّها، ومن أجل أن تقوم بقوّة قيامته إلى حياة أفضل وإلى عهد لها جديد". ورأى أنّ "ثورة الحسين هي ثورة جامعة بمعنى أنّها ضمّت من النصارى والعجم والشيوخ والنساء والأطفال، ما يمثّل شرائح المجتمع العربي".
كما أوضح أنّ "عاشوراء أصبحت عنوانًا عالميًّا، فهي تخطّت حدث الواقعة، لتصبح عنوانًا للأمانة والمطالبة برفع الظلم عن كلّ مقهور ومظلوم في كلّ أصقاع الأرض، فهي لم تعد تخصّ طائفة أو جماعة، إنّما أصبحت ملازمة لكلّ مجتمع يؤمن بالعدالة والحق ويناضل من أجلهما". وأشار إلى أنّه "لا يغيب عن بال أحد أنّ عاشوراء ذكرى حزينة يستذكر فيها أتباع الحسين الدماء الّتي سالت في سبيل الأمة، أمّة محمد لكي لا تنحرف عن مسارها، فالحسين جاهد في سبيل الحق، والحق هو من الله، وبالتالي فقد جاهد في سبيل الله. من هنا، تكتسب عاشوراء أهميّتها لتتخطّى الحزن والندب والبكاء، لتصل إلى الهدف الأسمى، ألا وهو الجهاد في سبيل الحق ونشر العدالة ومحاربة كلّ أشكال الظلم والعنف والقهر التّي لازمت الإنسان منذ واقعة قايين وهابيل حتّى يومنا هذا".
وأفاد أبو كسم بأنّ "اليوم، لو كان الإمام الحسين في عصرنا وفي مجتمعنا، لقاد أكبر ثورة على الفساد والفاسدين والمفسدين، على تجار الزعامة والطبقات السياسيّة، الّذين يقهرون الناس ويذلّونهم في لقمة عيشهم، ويتناوبون على اقتسام المغانم في الصفقات المشبوهة، ويظنّون أنّهم بأفعالهم هذه يطوعونهم، نقول لهم لا وألف لا". ووجد أنّه "لو كان الإمام الحسين هنا، لقاد ثورة على الهدر في المال العام وعلى تخصيص المكرمات للمحسوبين والمحظوظين والمقرّبين من الدولة ورجالها، حيث يحقّ لهؤلاء ما لا يسمح به القانون والأعراف. لو كان الإمام هنا لوقف إلى جانب الفقراء والمهمّشين والمعوّزين والمتروكين لغدرات الزمن، إلى جانب المرضى المتسكّعين على أبواب المستشفيات وليس عندهم من يدفع عنهم فاتورة الأستشفاء".
وأعلن أنّ "على الصعيد الداخلي، لا يسعنا إلّا أنّ نؤكّد ضرورة ترسيخ مفهوم التضحية، بين جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسيّة والمذهبيّة والدينيّة، وأن يقدّموا مزيدًا من المرونة والتواضع، فالخطر داهم، فلا نضيع الوقت بتقاسم الحصص لا بل علينا أن نربح الحصة الكبيرة، ألا وهي وحدة لبنان وخلاص شعبه، إذ إنّ مسؤوليّة الحفاظ على الوطن، هي مسؤوليّة مشتركة بين كلّ الجهات ولو اختلفوا بالسياسة إذ انّ وحدة الشعب هي الضمانة الوحيدة لبقائه".
إلى ذلك، شدّد على أنّ "ثورة الحسين كانت نموذجًا في التجرّد عن المصالح الضيّقة والمصالح الشخصيّة وتخطّتها إلى تعزيز المصلحة العامّة وتغليبها على كلّ المصالح. وفي هذا المجال، نأمل خيرًا بأن ينجح المسؤولون في وضع الخطة الإقتصادية الّتي من شأنها أن تخرج لبنان من أزمته الراهنة، ولنعمل معًا من أجل بناء مستقبل زاهر لأبنائنا في وطن الرسالة- لبنان".