من المُتوقّع أن يصل إلى لبنان في الساعات المُقبلة المبعوث الأميركي الخاص دايفيد شنكر الذي كُلّف من جانب الإدارة الأميركية بمُتابعة ملفّ ترسيم الحُدود البريّة والبحريّة بين لبنان وإسرائيل، بعد تعيين مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساتفرفيلد الذي كان يتولّى التفاوض غير المُباشر بين بيروت وتل أبيب، سفيرًا جديدًا لبلاده لدى تركيا. والسؤال الذي يفرض نفسه بالتالي هو: هل ينجح شنكر حيث فشل ساترفيلد؟.
بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ نتائج جولات ساترفيلد التفاوضيّة السابقة، لم تكن فاشلة بالمُطلق، بل ناجحة جزئيًا إلى حدّ ما، حيث جرى إحراز الكثير من التقدّم على أكثر من خطّ بالنسبة إلى ملفّ ترسيم الحُدود البريّة والبحريّة، لكنّ تراجع إسرائيل عن إلتزامات سابقة لها، أعاد بعضًا من أجواء التشاؤم بعد أن كانت أجواء التفاؤل هي الطاغية في المرحلة الأخيرة. ومن المُقرّر أن يلتقي شنكر رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، علمًا أنّ ملفّ ترسيم الحُدود مَنوط بشكل أساسي برئيس مجلس النوّاب الذي يتولّى تمثيل الجانب اللبناني الرسمي، مع ما يتمتّع به من علاقة وثيقة مع "حزب الله".
وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ لبنان سيرفع خلال المُحادثات مع شنكر مَطلبًا جديدًا في الشكل، إلى جانب مطالبه المَعروفة في المَضمون. وفي هذا السياق، من المُتوقّع أن يُصرّ الجانب اللبناني على وضع نصّ مكتوب لكل نقطة سيتمّ الإتفاق عليها، بعد أن أظهرت التجربة أنّ الجانب الإسرائيلي يتصرّف بشكل إبتزازي في ملف ترسيم الحُدود، لجهة التراجع مرارًا وتكرارًا عن نقاط سبق وجرى التوافق عليها شفهيًا خلال المُفاوضات غير المُباشرة بطبيعة الحال. والهدف من هذا الأمر هو تثبيت أي تقدّم يُمكن أن يحصل، وبالتالي حفظ الحق اللبناني، أي عمليًا منع الجانب الإسرائيلي من التراجع عن إلتزاماته وتعهّداته، كما حصل خلال المُحادثات السابقة التي أدارها ساترفيلد. كما يُنتظر أن يُطالب لبنان أيضًا بأن تلعب الأمم المُتحدة دورًا رقابيًا أساسيًا خلال المُفاوضات، إنطلاقًا من تثبيت حقّه دوليًا وإستكمالاً لمطلب توثيق التفاهمات بشكل مكتوب، بينما لا يزال الجانب الإسرائيلي يرفض هذا الأمر، ويحاول حصر الدور الرقابي بالجانب الأميركي، نظرًا إلى التحالف القائم بين واشنطن وتل أبيب من جهة، ولتعويله على قُدرة الجانب الأميركي على مُمارسة الضُغوط على لبنان كذلك الأمر.
وفي المُضمون، من المُنتظر أيضًا أن يقوم الجانب اللبناني بالتشديد مُجدّدًا على ضرورة أن تتزامن عمليّات الترسيم المُرتقبة للحدود البحريّة مع عمليّات ترسيم للحدود البريّة، بعكس الجانب الإسرائيلي الذي يُطالب بالإكتفاء بترسيم الحُدود البحريّة حصرًا بحجّة إطلاق المشاريع الإستثماريّة بسرعة، بينما هو يريد في الواقع التهرّب من حل النقاط الخلافيّة مع لبنان في أكثر من موقع حدودي برّي، علمًا أنّه بمُجرّد بتّ الحدود البريّة لأيّ دولة تُصبح مسألة ترسيم حُدودها البحريّة تلقائيّة بحيث يسهل تحديد حقّها في المياه الإقليميّة. وعُلم أنّ شنكر سيطرح بعد إستماعه للآراء وللمطالب اللبنانية، خريطة طريق لتسريع بتّ ملفّ ترسيم الحُدود، تقضي بتجاوز النقاط الخلافيّة، وبإرجاء حسمها لمرحلة لاحقة، والتركيز على نقاط الإلتقاء.
في الخُلاصة، الأمل كبير بأن ينجح شنكر حيث فشل ساترفيلد، لأنّ الجميع راغب في تحقيق تقدّم، لتحضير الأجواء الأمنيّة والسياسيّة المُناسبة لعمليّات التنقيب وإستخراج الغاز والمُشتقات النفطيّة. لكن الحذر يجب أن يبقى قائمًا، ليس لأنّ شنكر يُعتبر من المسؤولين المُتشدّدين الذين يدعمون إسرائيل بشكل كبير ضُمن الإدارة الأميركيّة فحسب، بل أيضًا وخُصوصًا لأنّ معلومات من مصادر مُختلفة بدأت تتسرّب، ومفادها أنّ إسرائيل قرّرت إستخدام ملفّ ترسيم الحُدود كورقة إبتزاز ستستخدمها في الضُغوط المُمارسة على لبنان لإحياء وتثبيت القرار الدَولي رقم 1701 ولمنع خرقه مُستقبلاً بطبيعة الحال، وستستخدمها كذلك الأمر في ما تثيره من غبار إعلامي وسياسي في حديثها عن مصانع صواريخ تعود إلى "حزب الله" في أكثر من منطقة في لبنان! وفي كلّ الأحوال، إنّ الحُكم على مُحادثات شنكر لا يمكن أن يتم من جولة واحدة، بل بعد إتمامه سلسلة من الجولات على الجانبين اللبناني والإسرائيلي، علمًا أنّ إسرائيل ستُنظّم في 17 من الشهر الحالي إنتخابات تشريعيّة مُبكرة ستُحدّد وجهة الحُكم فيها للمرحلة المُقبلة، مع كل ما يُمكن أن يتركه هذا الأمر من تأثيرات على كل الملفّات السياسيّة التي ستكون بيد الفريق الفائز بالإنتخابات.