يُلقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب فشله بتمرير "صفقة القرن" على مُساعديه، فيتساقطون ضحايا حتى لا يدفع الضريبة مع اقتراب موعد إعلان ترشّحه للانتخابات الرئاسية لولاية ثانية.
لن يكون آخر هؤلاء الضحايا مبعوثه إلى منطقة الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي قدّم استقالته من منصبه بعد عامين ونيف، ضمن الفريق الذي يقوده صهر الرئيس ترامب وكبير مُستشاريه جارد كوشنر.
منذ اللقاء الأوّل بين الرئيس الأميركي والرئيس الفلسطيني محمود عباس في نيويورك، ظهر يوم الأربعاء في 3 أيار/مايو 2017، تلبية لدعوة شخصية كان قد وجّهها إلى الرئيس الفلسطيني، مساء الجمعة 10 آذار/مارس 2017، كاسراً البروتوكولات والقواعد الدبلوماسية المُتّبعة، أكد ترامب "الإلتزام الأميركي بالعمل مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، للتوصّل إلى سلام عادل ولن نفرض على أحد من الطرفين ذلك بالقوّة، وسنعمل على إنجاز ذلك بأسرع وقت مُمكن".
رئيس أكبر دولة في العالم لم يلتزم بما قاله بعد 100 يوم من دخوله البيت الأبيض، حيث سجّل انحيازاً لصالح الكيان الإسرائيلي، لم يسبقه إليه أحد من الرؤساء الأميركيين، منذ نكبة فلسطين في العام 1948، وتحوّل في حديثه عن حل الدولتين إلى "صفقة"، ثم "خطة"، وانتهاءً بـ"رؤية"، مع فشل تلو الآخر في عدم الإعلان عنها في المواعيد التي كان يجري تحديدها.
ومَردُّ ذلك، إلى أنّ الرئيس ترامب "لحس" ما كان قد تحدّث به إلى الرئيس الفلسطيني، مُمارساً الضغوطات لصالح الكيان الإسرائيلي وحليفه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
لكن ردّ الرئيس "أبو مازن" كان رفض لقاء الرئيس ترامب، بعد قراره الاعتراف بالقدس المُوحّدة عاصمة للكيان الإسرائيلي (6 كانون الأوّل/ ديسمبر 2017)، قبل أنْ يُقدِم على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وعدم الإلتزام بدفع المُساهمات لصالح وكالة "الأونروا" في مُحاولة لإلغائها، ووقف المُساعدات إلى السلطة الفلسطينية وإقفال مكتب "منظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن.
كشف الرئيس ترامب حقيقة انحيازه التام للكيان الإسرائيلي، ليمنح "مَنْ لا يملك إلى مَنْ لا يستحق" هدايا مُتبادلة، بما في ذلك ضم هضبة الجولان، وإعلان نتنياهو إنشاء مُستعمرة فيها تحمل إسم ترامب.
على الرغم من كل الضغوطات على القيادة الفلسطينية، بقي الموقف صلباً، وجاء الرد بانتخاب فلسطين لرئاسة "مجموعة 77 والصين"، بما تُشكّله من أهمية ودلالات بتسليم الرئيس "أبو مازن" رئاستها، على الرغم من تهديد الولايات المُتّحدة لدول عدّة بعقوبات أو وقف المُساعدات عنها.
وتأجّلت المواعيد التي كان يتم تحديدها للإعلان عن "الصفقة" التي نفّذت إدارة البيت الأبيض عناوين مُتعدّدة قبل أنْ تُعلن عنها.
كان آخر المواعيد المُحدّدة بعد الانتخابات الإسرائيلية العامة التي جرت في 9 نيسان الماضي، لكن فشل نتنياهو بتشكيل الحكومة، فتوجّه مباشرة بطلب حل "الكنيست"، وهو ما يُمكن أن يُواجهه أيضاً بفشله في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات المُقبلة يوم الثلاثاء في 17 أيلول الجاري، حيث تُشير استطلاعات الرأي إلى أنّه واليمين المُتطرّف لن يتمكّنوا من تأمين أكثرية 61 مقعداً من أصل 120 في "الكنيست"، ولن يتمكّن حزبه "الليكود" أيضاً من الحصول على ذات المقاعد التي نالها في الانتخابات السابقة وبلغت 36 مقعداً، حيث يُتوقّع أنْ ينال بين 30-32 فقط.
والأمر ذاته بالنسبة لأحزاب الوسط بقيادة حزب "أزرق - أبيض"، الذي لن ينال أيضاً ما حصل عليه في الانتخابات الماضية 35 مقعداً، بل بين 30-32، ومع حلفائه لن يتمكّنوا من تشكيل حكومة، حيث أقصى ما يُمكن أن يجمعوه لن يتجاوز الـ45 مقعداً.
وتبقى "بيضة القبّان" كتلتا "القائمة العربية المُشتركة" برئاسة أيمن عودة و"إسرائيل بيتنا" برئاسة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، والمُتوقع أنْ يكون عدد المقاعد أكثر من السابق، لينال كل منهما 11 مقعداً.
وفي العودة إلى استقالة غرينبلات، فقد اضطلع بدور بارز بالتحضير لـ"صفقة القرن"، منذ اختاره ترامب مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط مع دخوله إلى البيت الأبيض، بعدما كان محاميه الخاص لسنوات عدّة، وعمل تحت قيادة كوشنر.
واتضح أنّ عدم الخبرة والانحياز لصالح الكيان الإسرائيلي، هي التي أدّت إلى قطع العلاقات بين الولايات المُتحدة الأميركية وفلسطين، وثبت أنّه من دون المُوافقة والمُشاركة الفلسطينية الرسمية على أي طرح أو مُبادرة، لا يُمكن أنْ تنجح أي اتفاقية أو "خطة" ويُفشل أي "مُؤتمر" أو "ورشة"، وخير دليل ما جرى مؤخّراً في "ورشة السلام من أجل الازدهار" التي عُقِدَتْ في المنامة، من فشل بفعل الرفض الفلسطيني لها.
وإذا كان فريق ترامب على مدى عامين ونيف، لم يُحقّق أي خطوة نحو حل عادل للقضية الفلسطينية، فإنّ الفريق المُتجدِّد لا يبدو أنّ بإمكانه النجاح في مهمته، طالما هو مُنحاز للكيان الإسرائيلي، ومع وجود أشخاص أكثر انحيازاً إلى كوشنر وسفير الولايات المُتحدة الأميركية لدى الكيان الإسرائيلي ديفيد فريدمان، وفي طليعتهم مُستشار كوشنر آفي بيركوفيتش والمندوب الكبير لوزارة الخارجية للشأن الإيراني براين هوك.
الخطر في الموضوع أنّ بيركوفيتش (30 عاماً) معروف بأنّه "صبي القهوة"، وكان كوشنر قد أوكل إليه مهام إدارية وتنظيم لقاءات يومية وإحضار "القهوة"، فعُرِفَ بلقب "صبي القهوة"، ويتساوق مع كوشنر بشأن الانحياز لصالح الكيان الإسرائيلي، بناءً لتربيتهما في مدارس يهودية في الكيان الإسرائيلي، حيث تعلّم دينياً عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
وهذا الفريق من المُروّجين لصالح مشروع "دولة إسرائيل اليهودية الكبرى"!
ميدانياً، سُجّلت سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية في مناطق فلسطينية عدّة.
لكن اللافت كان تنفيذ المُقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، أمس الأوّل (السبت)، عملية جديدة من نوعها باستخدام طائرة صغيرة مُسيّرة "حوّامة"، اجتازت السياج الإلكتروني الحدودي جنوب قطاع غزّة، وتمكّنت من تنفيذ مهمتها بإلقاء عبوة ناسفة فوق آلية عسكرية إسرائيلية، ما أدّى إلى تضرّرها دون وقوع إصابات في صفوف جنود الاحتلال.