أثبتت كل اللقاءات التي حصلت في الأيام الماضية أن النزاع السياسي في لبنان لا يُثمر طويلاً. نجح رئيس المجلس النيابي نبيه بري في رأب الصدع بين "حزب الله" والحزب "التقدمي الإشتراكي". وإستطاع التيار "الوطني الحر" و"التقدمي" تجاوز أزمة حادثة قبرشمون. فهل يعني ذلك أن الإشتراكيين ثبّتوا قواعد إيجابية مع كل القوى السياسية؟ تقول مصادر مطّلعة إنّ رئيس الحزب "التقدمي" وليد جنبلاط حقّق مكاسب عدة:
أولاً-فرض نفسه رقماً أساسياً في الساحة الشعبية الدرزية نتيجة إشتداد الصراع السياسي بينه وبين "الوطني الحر" إثر حادثة قبرشمون، ليأتي لقاؤه مع رئيس الجمهورية ميشال عون لاحقاً في قصر بيت الدين لافتاً في شكله من حيث إظهار الود. الأمر الذي لم يحصل مع رئيس الحزب "الديمقراطي" النائب طلال ارسلان. ثم جاءت زيارة النائب تيمور جنبلاط الى اللقلوق تعزز من الروابط الجديدة على خط "الوطني الحر" - "التقدمي"، وبدا بارزاً وجود عضو كتلة "ضمانة الجبل" النائب سيزار أبي خليل إلى جانب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في إستقبال تيمور جنبلاط، مما فُسّر بأن "الوطني الحر" لا يكترث لموقف حليفه رئيس كتلة "ضمانة الجبل" النائب طلال ارسلان إزاء خلافه مع جنبلاط.
ثانياً-إستطاع "التقدمي" أن يضمن عدم مشاكسته في التعيينات الإدارية، وضمان حصته الدرزية.
ثالثاً-فرض جنبلاط نفسه في حلف الأكثرية السياسية، بعد تباين معه خلال الاشهر الماضية.
امام كل تلك المعطيات، لم يعد بمقدور ارسلان ان يرفع سقفه التصعيدي تجاه المختارة، مما يرجح ان تتم عملية تصالح سياسي بين القطبين الدرزيين، تصب بشكل أساسي في مصلحة "المير" الذي تركه "الوطني الحر" في وسط الطريق وسارع الى مد اليد الى جنبلاط. لكن السؤال هو حول مدى تأثر العلاقة بين إرسلان وباسيل في المرحلة المقبلة؟ وهل يعود "المير" الى إحياء علاقته السياسية مع رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية؟ لم تنقطع العلاقة بينهما، لكنّ الإنحياز الإرسلاني الى جانب "الوطني الحر" خفّف من وهج العلاقة التي كانت قائمة بين خلدة وبنشعي. غير أنه رُصد على هامش جلسة الحوار الإقتصادي في بعبدا عودة الإنسجام السياسي بين "سليمان بك" و"المير طلال". فهل يعود إرسلان الى صف الحلف مع فرنجيّة؟ قد لا يُقدم رئيس "الديمقراطي" الآن على الخروج من إلتزاماته مع باسيل، لأن ذلك سيطيح بكتلة "ضمانة الجبل". لكن بمقدوره التدرّج في إعادة التوازن في علاقاته مع القوى لإعادة الانتعاش الى خط عين التينة-خلدة، وبنشعي-خلدة، من دون التأثير على علاقته مع باسيل. يحق سياسيا لإرسلان أن يحدّد تموضعه بمعزل عن رأي حليفه "الوطني الحر" بعد إنفتاح باسيل على "التقدمي".
إزاء ذلك، تصبح المعادلة السياسية الداخلية الآن قائمة على اساس ان الكل حليف الكل، بإستثناء حزب "القوات" الذي بات خارج تلك المساحة من التوافقات السياسية. لم يعد رئيس "القوات" سمير جعجع قادراً على إحياء ايّ حلف مع "الوطني الحر" او "الإشتراكي" او "المستقبل". تتحدّث المعلومات عن استمرار التباعد بين رئيس الحكومة سعد الحريري وجعجع. لم تنجح كلّ محاولات تقريب المسافات بينهما من تحقيق أيّ توافق. ولذلك يتفرّج "الحكيم" على مسار التحالفات، فهل يُقدم بإتجاه فرنجيّة؟ قد يكون ذلك اكثر فائدة له من بقائه خارج المعادلات الداخليّة في مرحلة إقليميّة باتت لصالح "محور المقاومة".