بعد مسودَّة التَقْرير، الَّذي سيَصْدر عن الأُمم المُتَّحدة، في شأن "سيناريوهات سَوْداويَّة" عن اسْتِمرار ارْتِفاع درجة حرارة الأَرض خلال السَّنوات المُقْبلة، وبخاصَّةٍ خِلال العُقود الممتدَّة من 2050 إلى 2100، لا بدَّ من دقِّ ناقوس الخَطر، والشُّروع فورًا بالتَّحْضير لاسْتراتيجيَّةٍ إِنْقاذيَّةٍ لتَغْيير الانْتِحار البيئيِّ المُحتَّم!...
فالارْتِفاع المُتوقَّع في مُسْتوى البِحار، بِسبب الاحْتِباس الحَراريِّ، قد يتسبَّب في نُزوح 280 مليون شخصٍ، في إِطار "سيناريو مُتفائل" يَحْصر الارْتفاع بدرَجتين مئَويَّتين اثنَتَين فقط، مُقارنةً بما قَبْل الثَّوْرة الصِّناعيَّة. فما هي الحُلول تلك؟ ومن أَيْن تَبْدأ "الاستراتيجيَّة الإِنْقاذيَّة"؟...
حُلول الاحْتِباس الحَراريّ
تَفْرض ظاهِرة الاحْتِباس الحَراريّ، التَّقليل من انْبِعاث غازات الدَّفيئة في الهَواء الجويِّ، بوَضْع القَوانين الرَّادِعة الَّتي تُلْزم أَصْحاب المَصانع باعتماد المَصافي للتَّقليل مِن انْبِعاث الغازات السَّامَّة، إِضافةً إِلى التَّقنين في اسْتِخدام وَسائل النَّقل... وخير مثالٍ في هذا المَجال، الخُطوات الجبَّارة الَّتي تَعْتمدها "جمهوريَّة الصِّين الشَّعبيَّة"، للحِفاظ على البيئَة وفي مُخْتلف المَجالات... ومِنْها تَشْجيع اسْتِخدام الدرَّاجات الهوائيَّة في التَّنقُّلات اليَوْميَّة، تَخْفيفًا للانْبِعاثات السَّامَّة، ومن خِلال تَنْظيم اسْتِخدام الدرَّاجات تلك، وتَفْعيل الإِفادةِ مِنْها كخِدْمةٍ شبه مجَّانيَّةٍ للمُواصلات، كما وللرِّياضة البدنيَّة اليَوْميَّة الضَّروريَّة لجِسْم الإِنْسان، ما جعل معدَّل الأَعْمار يَرْتفع في شَكْلٍ مَلْحوظٍ، بحسب إِحصائيَّاتٍ صينيَّةٍ رسميَّةٍ. كما ولا يُخْفى تَجاوب الشَّعْب هُناك مع هذه الخُطوة، إِذْ تَراهم مُنْذ ساعات الصَّباح الأُولى، ومِن كلِّ الأَعْمار، يَسْتقلُّون درَّاجاتهم ويَمْلأون بها الشَّوارع، وتحديدًا جانب الطَّريق المُخصَّص للدرَّاجات.
ومِن الحُلول النَّاجعة للاحْتِباس الحَراريِّ أَيْضًا، زيادة الاعْتِماد على الطَّاقة المُتَجدِّدة، لأَنَّها طاقةٌ نَظيفةٌ لا تُسبِّب أَيَّ انْبِعاثٍ للغازات السَّامَّة، مثل طاقة المياه وطاقة الرِّياح والطَّاقة الشَّمْسيَّة... والتّقليل مِن الاعْتِماد على الوَقود والمُشْتقَّات النَّفطيَّة.
وكذلك وجب اللُّجوء إِلى ما يُعْرف باسم "هَنْدسة المُناخ"، والَّتي تُعالَج بواسطتها غازاتُ الدَّفيئة، للتَّقليل من سميَّتها، وتَحْويلها إِلى غازاتٍ أُخْرى، بحيث لا تتسبَّب بالاحْتِباس الحَراريّ.
خطط للتَّاَقلم...
وفي مُطْلق الأَحْوال، يَنْبغي إِعْداد خُططٍ، للتأَقلم مع هذه الظَّاهرة الَّتي أَصْبحت واقعًا، في انتِظار إِيْجاد حلولٍ جَذْريَّةٍ لها. ويَكون التَّأَقلم باسْتِخدام المُكيِّفات مثلاً لمُواجَهة ارْتِفاع درَجات الحَرارة الكبير، والسَّعي إِلى زيادة الغَطاء النَّباتيِّ، والعَمل على تَكْثيف الغابات والاهْتِمام بها، لما للنَّباتات من أثَرٍ إِيْجابيٍّ كبيرٍ، في التَّقليل من خَطر هذه الظَّاهرة. كما ويَجب التَّوقُّف فَوْرًا عن اسْتِخدام غاز "الكلورو–فلور-كربون" في الصِّناعات.
تَجْربةٌ صينيَّةٌ أُخْرى
ومن الإِنْجازات البيئيَّة ما تحقَّق في ولاية ئاقسو (شينغيانغ) الصِّينيَّة، والَّتي تَعْني بالـ"يوغوريَّة" عين المِياه العَذْبة، إِذْ يَبْدو أَنَّ تلك المِياه هي السَّبب في تَحْويل صحراء قاحِلةٍ إِلى واحةٍ خَضْراء... هي مَجْموعةٌ من التَّجمُّعات السَّكنيَّة والقُرى المُلْتَفَّة حول عُيون المِياه العَذْبة، وقد أَضْحَت مُدنًا ومُحافظاتٍ، يكسو جزءًا كبيرًا منها الخَضار!.
وولاية "أقسو" تُغَطِّي ما مساحته 130 أَلْف كيلومترٍ مُربَّعٍ، من مساحة إِقْليم "شينغيانغ"، وتَتكوَّن من ثَماني مُحافَظاتٍ ومدينةٍ واحدةٍ و88 قريةً. ويَبْلغ عدد سكَّانها المُقيمين 2.897 مليون نَسْمة، منهم 2.562 مليونًا مُسجَّلين رسميًّا. وهؤلاء السُّكَّان يَنْتمون إِلى 36 مجموعةً عرقيَّةً، وهي بذلك تُشكِّل مُجْتمعًا مُتعدِّد القَوْميَّات والأَعْراق!.
ومنطقة "كوكيار" في ولاية "ئاقسو"، والَّتي تَعْني في اللُّغة الويغوريَّة الخَنْدق الأَخْضر، وتَقع على حافَّةِ صَحْراء "تاكليمكان الكُبْرى"، هي منْطَقةٌ صحراويَّةٌ تمَّ تحويلُها مزارعَ وغاباتٍ على مدار 30 عامًا.
هذه المنْطَقة الَّتي أَصْبحت واحةً خَضْراء، كانت تُعاني مِن العَواصف الرَّمليَّة الَّتي أَثَّرت كثيرًا في حياة السُّكَّان، حيث كانَت الصَّحْراء تَبْعد مسافة ستَّة أَمْتارٍ فَقط، وقد أَطْلَقَت الحُكومة الصِّينيَّة هُناك، وبالتَّعاون مع الحُكومة المحليَّة للولاية، "مَشْروع تَشْجير كوكيار" في العام 1986، بمُشاركة مُخْتلف القَوْميَّات الَّتي تَقْطن المَدينة، وامتدَّ المَشْروع إِلى مَناطقَ ومُحافظاتٍ أُخْرى. وحتَّى آب 2019، تمَّ تَنْفيذ 3 مَراحل من هذا المَشْروع، بحيث باتَت مُحافظة "ئانسو" تَعْتمد في شكلٍ خاصٍّ على زِراعة الحُبوب ومُخْتَلف أَنْواع الفاكِهة... وبعد معركةٍ طَويلةٍ مع الطَّبيعة القاسية، وبفَضْل جهود الآلاف من السُّكَّان بمختلف قَوْميَّاتهم وأَعْراقهم، تحوَّلت المنْطَقة إِلى غاباتٍ ومَزارع حسَّنت مِن حَياة سكَّان الولاية اقتصاديًّا واجتماعيًّا، ولم تَعُد عرضةً للعَواصف الرَّمليَّة...
إِنَّها تَجْربة تُثْبت أَنَّ "السِّيناريوهات السَّوْداويَّة" لَيْست مَصيرًا مُحتَّمًا على البَشريَّة، بل إِنَّ الإِنْسان يَبْقى سيِّد الأَرْض، إِذا عرف كيف يَتصالح مع بيئَتِها!.