في زمن التواصل الإجتماعي، قد تكون القُدرة على التواصل مُجدّدًا مع زملاء المدرسة أو الجامعة، أو الأصدقاء القُدامى، من أبرز الصفات الإيجابيّة لهذا "الإبتكار"، إضافة طبعًا إلى القُدرة على التواصل بشكل مُباشر-بالصورة والصوت، مع الأهل والأقرباء والأصدقاء أينما كانوا في العالم، وحتى القُدرة على إجراء إجتماعات عمل من مكانين مُختلفين أو أكثر، إلخ. في المُقابل، إنّ سيّئات هذا "التواصل" لا تُعدّ ولا تُحصى، إلى درجة أنّ الكثيرين بدأوا التفكير جديًا بإلغاء حساباتهم أو أقلّه بتجميدها!.
أوّلاً: كثير من العلاقات الزوجيّة باتت مُهدّدة نتيجة تفضيل الشريك (أو الشريكة) إمضاء وقت فراغها على منصّات التواصل الإجتماعي، والتعليق على صُور ومنشورات "الأصدقاء الرقميّين"، بدلاً من تبادل الأحاديث والتشارك في أنشطة مع الزوج (أو الزوجة). أكثر من ذلك، إنّ الكثير من الزيجات سقطت نتيجة خيانات بدأت جُذورها من مواقع التواصل الإجتماعي!.
ثانيًا: إنّ بعض مُستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي بلغ مرحلة الإدمان الكامل على تصفّح هذه المواقع، في النهار والليل، بشكل أسفر عن تراجع إنتاجيّته المهنيّة من جهة، وأدّى إلى إنغلاقه على نفسه وإبتعاده عن مُمارسة أي هواية أو رياضة، أو عن القيام بالواجبات الإجتماعيّة الفعليّة وليس الرقميّة والوهميّة، من جهة أخرى!
ثالثًا: إنّ دراسات عدّة أثبتت أنّ الكثير من مُستخدمي صفحات "التواصل الإجتماعي"، لا سيّما منهم من يُصنّفون في خانة مَحدودي الدخل، وكذلك من يعيشون حياة زوجيّة غير ناجحة، أو يُعانون من عُزوبيّة مُوحدة، يشعرون بالغيرة وحتى بالحسد في بعض الأحيان من نشر "أصدقائهم الرقميّين" الوهميّين، أنشطة ترفيهيّة مُمتعة بشكل دائم، وصُورًا تُوحي بحياة سعيدة لهم ولعائلاتهم.
رابعًا: إنّ الكثير من مُستخدمي شبكات "التواصل الإجتماعي" سقطوا في خانة الغُرور، إلى درجة صارت معها كل صُورة ينشرونها تهدف إلى التشاوف والتباهي المَرضي على "أصدقائهم الرقميّين"، بدءًا بتسجيل الدُخول إلى صالات رجال الأعمال في هذا المطار أو ذاك، مُرورًا بتسجيل الدُخول إلى هذا الفندق أو المطعم الفاخر أو ذلك، وُصولاً إلى نشر صُور لرحلات مُمتعة أو لسيارات فارهة أو لمنازل فاخرة، إلخ. إشارة إلى أنّه في كثير من الحالات لا تعكس هذه الصُور واقع حال هؤلاء المُستخدمين، بل الصُورة النمطيّة التي يُحاولون إيصالها للآخرين، حيث يُمكن أن يكونوا غارقين بديونهم المالية أو بوحدتهم وتعاستهم في علاقاتهم الإجتماعيّة، لكنّهم يحرصون على إظهار العكس على مواقع التواصل!.
خامسًا: إنّ الكثير من مُستخدمي شبكات "التواصل الإجتماعي" يتحصّنون خلف شاشاتهم الرقميّة، لإطلاق العنان لأفكارهم السياسيّة والإجتماعيّة والدينيّة وغيرها، وهم يردّون على أي إختلاف بالرأي مع مُستخدمين آخرين، بوابل من الشتائم والقدح والذمّ، للتنفيس عن أحقاد أو عن عقد نفسيّة مُزمنة، ورفضًا لأي رأي آخر في أي موضوع.
سادسًا: إنّ الكثير من مُستخدمي شبكات "التواصل الإجتماعي" يعيشون في حيرة من أمرهم، فهم من جهة لا يريدون الإنجراف بأي من هذه العادات السيّئة المُنشورة أعلاه، لكنّهم لا يريدون أيضًا أن يُصنّفوا في خانة المُستخدمين "المُتربّصين"، أي الذين لا ينشرون أيّ أمر عن حياتهم الشخصيّة، لكنّهم يُتابعون عن كثب مَنشورات الآخرين. والمُشكلة أنّ عدم التفاعل مع منشورات الآخرين، يؤدّي إلى زعل الكثير من هؤلاء، والتفاعل معهم من دون نشر أي أنشطة شخصيّة، يجعلهم ضُمن فئة "المُتربّصين". وفي حال قاموا بمُجاراة الدُرجة السائدة، لجهة نشر صورهم وصور عائلاتهم، خلال الأنشطة الترفيهيّة–على إختلاف أنواعها، إقتربوا من أن يتحوّلوا إلى "مُتشاوفين" أنفسهم!.
وبالتالي، إنّ كل الخيارات المُتاحة سيّئة، إلى درجة أنّ الكثير من المُستخدمين بدأوا يُعيدون تقييم حسنات الإبقاء على حساباتهم الرقميّة على مواقع التواصل الإجتماعي، وخُصوصًا حسنات الإشتراك النشيط في هذه المواقع. وبحسب إحصاءات خاصة بالولايات المتحدة الأميركيّة، وهي إحصاءات تعكس في نهاية المطاف توجّهًا عالميًا واسعًا، فإنّ موقع "فايسبوك" مثلاً فقد 15 مليون مُستخدم في أميركا خلال العامين الماضيين، ضُمن الشريحة التي يتراوح عمرها بين 12 و34 سنة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى موقع "تويتر" الذي سجّل إنخفاضًا ملحوظًا في عدد مُستخدميه في العالم خلال السنتين الماضيتين. لكنّ الخُبراء يُقلّلون من تأثير هذه الأعداد على السُوق الإعلاني، وعلى القُدرات التسويقيّة الهائلة لهذه المواقع، وهم يُبرّرون هذا الإنخفاض بتحوّل جزء من المُستخدمين إلى منصّات إجتماعيّة رقميّة أخرى، على غرار "إنستغرام" مثلاً.
في الخُلاصة، من الصعب على أيّ كان عدم مُجاراة التوجّه العالمي الجارف نحو منصّات "التواصل الإجتماعي"–بغضّ النظر عن أضرارها وعن سلبيّاتها الكبيرة، نسبة إلى حسناتها التي تتركز على المُستوى الأرباح التسويقيّة لبعض الشركات، وكل ما يُمكن القيام به هو إستخدام هذه المواقع بشكل مضبوط وتحت السيطرة، أي بين الحين والآخر، ولفترات زمنيّة مُحدودة، ولأهداف خالية من التشاوف والحسد والنيّة بالخيانة، وغيرها من الآفات!.