حتّى يقول القضاء كلمته؟
متى يقول القضاء كلمته؟
الجواب في نهاية النص. لكن... لنعدّد معاً وبهدوء ملفات الفساد المتكدّسة أمامنا التي توحّد اللبنانيين طلباً للتغيير والخلاص وتختصر حياتهم ركضاً وقرفاً وسباباً وكرهاً بين العتمة والضوء وبين اللقمة واللقمة ومن زاوية لآخرى في الفايسبوك والتويتر وغيرها من فشّات الخلق الكتابيّة السخيفة.
سأنهي مقالي بسرعة قبل أن تداهمني العتمة لربّما أتعقّب مع قارئي الإستظهار أو تدوين النشيد الوطني الجديد الذي يضع لبنان واللبنانيين في العتمة الوطنيّة:
ملفّ الكهرباء والماء، ملفّ المصارف المتعثرة وأخبارها القاتلة، ملف المستشفيات والأمراض، ملفّ القضاء والجامعة اللبنانية والجامعات الطائفية التي تفرّخ مثل الفطر المسموم، ملفّ المرافيء والأملاك البحرية والحوض الرابع وكازينو لبنان ، ملف التهرب والتزوير والهدر والبيانات الجمركية ، ، ملفّ المطار ، ملفّ العملاء، ملف أوجيرو وشبكات الإنترنت غير الشرعية، ملف النفايات ومرض السرطان المتفشّي في أحاء لبنان ومثاله ينابع السرطانات والمكبّات والمطامر وزعيمها ملف نهر الليطاني ، ملف الإتجار بالبشر والدعارة المتفشيّة، ملفّ المخيمات والنازحين السوريين والتوطين، ، ملف التفتيش المركزي ومؤسسات الرقابة، ملف شركات المياه المعدنية وبيع مياه الدولة بعد إستثمارها، ملفّ المطاعم واللحوم والمأكولات الفاسدة المنتهية الصلاحية، ملفّ النفط والغاز ومعزوفة ترسيم الحدود البريّة والبحريّة وتوزيع الشطآن على الأزلام، ملفّ الهيئة العليا للإغاثة، ملف سلامة الأبنية والجسوروإنهياراتها ، ملف أسعار الأدوية وفسادها، ملفّ صناعة المخدّرات وترويجها، ملف تبييض الأموال المستشري، ملفّ العقارات والتخمينات العقارية...ألخ كي لا ينحصر نصّي بتوثيق لبنان الفساد الذي أصبح نوعاً من "ثقافة" هائلة متقدمة في العالم عبر هذه الساحة المستباحة.
كيف تعمشق لبنان أعلى السلّم العالمي في فساد البلدان؟
كيف نوفّق كمواطنين بين القائلين بالإنهيار اللبناني المحتّم والقائلون الذين يملأون الشاشات متّهمون بالرشوة ومثلهم جيش القائلين على العكس بعدم الإنهيار وهؤلاء متّهمون بالقبض والرشوة أثمان كلامهم؟
النتيجة ضبابية وطنية وضياع على مستوى السلطات وأمراض نفسية وجسدية ومرارة وقهر وعدم إستقرار لدى المواطنين الصامتين في الداخل والخارج على السواء، بحثاً عن مستقبل رواتبهم ومدّخراتهم وودائعهم ولبنانهم تلك الساحة المشرّعة على القرف وإدمان الإنهيارات والمتناقضات والتبشّر بالعنف والخرائب القادمة .
لنحكّ برأس القلم أو السبابة قشرة هاتين أعني الديمقراطية والحريّة المزعومتين الحافلتين بالتحليلات الفارغة والأغاني والبرامج الكيديّة التي تشدّ الحبال على أعناق اللبنانيين. ستجد فوراً جبالاُ من الأكاذيب والأميّة والفساد والمزيد من السرقات والشكاوى والمبالغات المنفوخة في الأرقام التي تجتثّ جذور لبنان.
الناس يتمتون في الطرقات كالمجانين ؟ صحيح.
الصبايا والشباب يتصادمون على الطرقات كما المجانين ويقتلون في حوادث السير؟ صحيح.
قال لي مدير شركة تأمين مشيراً إلى تلّة هائلة من السيّارات المحطّمة الرخيصة الثمن: حرام. هل تتصوّر عدد الصبايا والشباب الذين ماتوا أو تشوّهوا على الطرقات وهم يقودون هذه السيارات الصغيرة؟
هل تعرف مدى تفشّي ظواهر التحشيش والسكر والعربدة والجنس المباح وكأنها وسائل قتألة لسحق تلك القشرة الكذبة ولتجاوز الناس تلك الجدران العالية التي ترتفع كلّ يوم في وجوههم من أزمات السلطات والسلاطين؟ سلاطين وفبارك إعلامية تطحن لهم الكلام الرتيب بالأطنان الذي لا يقول شيئاً ولا يرفع جسراً يهدي الناس نحو الجواب أو الحلول. يراكمون ،في الوقت نفسه، الثروات والعقارات وكأنّ الوطن دكان شارف على الإفلاس ويجب نهب ما بقي منه. ليس أقسى من هذا النسق الفولاذي في تقاتل السلطات المستنسخة المتعاونة والمنفصلة والموصولة والمقطوعة فوق صدور اللبنانيين بما لا يفضي إلى ضوء سوى التكدّس على أبواب السفارات ودفع الغالي والنفيس للسفر خارج لبنان.
قال لي إبني أنّ اللحظة الأكثر سعادة في حياته هي لحظة إقلاعه من مطار بيروت إذ هي تعادل عنده النشوة الكونية. وأضيف أن الحريري رفع الحجر طالباً محو إسمه عن المطار والمدينة الرياضية صارخاً : إنسوني.
والأنكى أنّ هذه الصور تتغلّف كما السكاكين الحادّة بهدايا يومية في نشرات الأخبار لتتحفنا بقوائم القتلى والجرحى بحوداث السير المجنون على الطرقات، وتستغرق في
"القال والقيل وقلنا وشو بتقول والكيد والحسد والفسد وقم أو مت لأكون مطرحك"، وتخبرنا عن تفشّي الفوضى والأمراض المستعصية، وكوابيس تقارير رجال الأمن والإستقرار الهش، وتحويل القوانين والدساتير مادة صحافية للمخبرين وإعلاميي المقابلات والشتائم والإتهامات الفارغة الإستعراضية، وكأنّ الوطن وجهات نظر أو أوطانٍ طائفية صغيرة توزّعت على المواقع والشاشات يتداخل فيها العام والخاص ، بما يحوّل المساحة الوطنية إلى نقطة خطرة جدّاً بين الأحزاب الطائفية التي تمدّ أيديها الى مختلف القطاعات وتجعل الكلام في الإنهيار وجهات نظرٍ متباعدة مقصودة .
والنتيجة؟
تفتح لي ملفاً أفتح لك إثنين ثم يسكت الإثنان وكأنّه لم يحصل شيئاً. دولة لا شعب فيها شعب بشع الملامح خائف مشابه للعشب الطري ينتظر الإحتراق الأكيد. ردود فعل حزبية وإعلامية ظاهرة في تقاذف المسؤوليات والتنصّل والتكذيب وحماية الفاسدين الذين لا نعرف سوى الأحرف الأولى من أسمائهم أمّا تسمية أسيادهم فقد تجرّك الى المباحثات والتوقيف والسجون إن تبزّمت.
ماذا يبقى إذن؟
الإدانات الكلامية والشجب والتنكر لما يحصل إذ ليس مقبولاً لفلفة الموضوع، والوعد بمتابعة الملفّ ومحاسبة المسؤولين عنه حتّى النهاية ، وضرورة رفع الغطاء عن كلّ الفاسدين مهما علا شأنهم والطلب بإقامة الدولة العادلة والقضاء على الفاسدين وعدم الإتّهام لأنّ الأمر أصبح بيد القضاء لا يجوز تسمية المرتكبين المدان ومكلف ولننتظر حتّى يقول القضاء كلمته.
متى يقول القضاء كلمته؟
أقسم بالله العلي العظيم وبالأنبياء والرسل وبحفّات الذقون والشوارب المتكدّسة في وجوه اللبنانيين، وبشرف الحبر أن دكتوراً يمتهن المحاماة كاد ينفجر وهو يخبر عن كوارث العدل متمنيّاً تحطيم قصور العدل ونسفها من مكانها لأنّ لبنان كاد يفقد قشرة العدالة.