في أيار الماضي استهدف الحوثيون محطتي ضخ تابعتين لشركة النفط "أرامكو" السعودية، فارتفعت أسعار النفط، رغم تأكيد المملكة أن إمدادات العملاء لن تتأثر بالهجوم، ولكن ما حصل في حقلي نفط بقيق وخريص في الساعات الماضية كان أكبر بكثير، ويمكن اعتباره نقلة نوعية في هجمات جماعة أنصار الله على السعوديّة، ردا على ضربات الاخيرة في اليمن.
10 طائرات مسيّرة استُخدمت في الهجوم على المنطقة التي تضمّ أكبر معمل لتكرير النفط في العالم، وذلك بحسب ما أعلن عنه مسؤولون في جماعة أنصار الله، الامر الذي ينفي احتمالية أن يكون الاستهداف قد حصل بواسطة صواريخ كروز أطلقت من العراق أو إيران.
إن هذا الهجوم الأكبر من نوعه حمل تأثيرات كبيرة، اقتصاديا، وسياسيا. من الجهة الاقتصادية، وإن لم يكن تأثيره قد ظهر حتى اللحظة من خلال أسعار النفط، الا أنه تمكن من إيقاف نصف الانتاج النفطي السعودي، الامر الذي سيؤدّي بحسب الخبراء الى ارتفاع حاد في أسعار برميل النفط، بحيث قد يلامس الـ100 دولار أميركي.
لا يمكن بين ليلة وضحاها ان يتوقف نصف إنتاج المملكة السعودية من النفط الخام ولا يتأثر سعر برميل النفط، خصوصا وأن النصف الذي نتحدث عنه يشكّل حوالي 6.5 بالمئة من المعروض العالمي منه، لذلك سترتفع الاسعار رغم تأكيد الولايات المتحدة الاميركية نيتها تعويض النقص، ومما لا شكّ فيه أيضا أنّ هذه النتيجة لن يزول مفعولها سريعا لأنّ الضرر اللاحق بالمنشآت يحتاج الى أشهر لإصلاحه.
اذا، من الناحية الاقتصادية سيتأثر انتاج النفط السعودي بشكل كبير جدا، وسترتفع الأسعار عالميا، الامر الذي سينعكس سلبا على الاقتصاد السعودي، لذلك يمكن القول أنّ الضربة الحوثيّة هي الأشدّ والأصعب على السعوديين منذ بداية الحرب. اما من الناحية السياسية، فالضربة تحمل رسائل متعددة، منها ما هو موجّه للسعودية وحلفائها في الحرب على اليمن ومنها ما هو أبعد.
الرسالة الاولى، والتي تحمل الطابع العسكري-السياسي، موجّهة الى السعوديين أنفسهم، وتقول بأنّ استمرار الحرب على اليمن يعني استمرار تصعيد الهجمات ضدّها، علما بأنّ قدرة الحوثيين على إصابة السعودية لم تعد مكان شكّ أو تساؤل، والقدرة الصاروخية اليمنيّة أثبتت جدارتها، وبالتالي فإنّ سياسة "الصبر" الإيراني التي يعتمدها الحوثيون تؤتي ثمارها، وما على السعوديين الا إيقاف الحرب.
اما الرسالة الثانية، فهي موجهة الى الإدارة الاميركيّة التي حاولت منذ فترة فتح باب التفاوض مع الحوثيين. وفي هذا السياق كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسعى لإحضار جماعة أنصار الله الى طاولة المفاوضات تحت ضغط الحرب التي تُخاض ضدّهم، فرفضوا الامر وطالبوا بوقف الحرب كشرط أساسي لأيّ تفاوض، وها هم اليوم يعيدون تأكيد جوابهم برفض التفاوض بظلّ الحرب من خلال التصعيد العسكري ضدّ السعودية، وانهم إن جلسوا على طاولة المفاوضات فسيجلسون أقوياء.
واخيرا الرسالة الثالثة، وهي من محور "المقاومة" الذي تقوده إيران الى العالم، ولو أن الإيراني لم يقل ذلك صراحة بعد الضربة، وهب بأن استمرار استهداف النفط الإيراني سيجعل نفط العالم كله بخطر، وهذا ما تحاول طهران إفهامه لدول العالم ونجحت بذلك من خلال التدرّج بالاجراءات، فبعد ازمات ناقلات النفط التي تعبر البحار، وجّهت قيادة انصار الله حليفة إيران رسالة نفطية قاسية عبر استهداف "أرامكو"، ولا شكّ أن استمرار التصعيد الاقتصادي والنفطي بوجه إيران سيعني استمرار التصعيد اليمني على منشآت النفط السعوديّة، وأن إيران لا يمكن ان تذهب الى أيّ مفاوضات خالية الوفاض، بل بأوراق قوة، تبدأ في سوريا، وتمر بالعراق، وتصل الى اليمن.
لم تعد اللعبة مخفيّة، وأوراق القوّة بدأت تُنشر على مرأى الجميع، ولكن السؤال الأساسي الذي يُطرح هنا هو الى أيّ مدى ستتطور الامور قبل الجلوس على طاولة المفاوضات؟.