لا تزال قضية دخول الآمر العسكري السابق لمعتقل الخيام العميل عامر الفاخوري الى لبنان، تتفاعل على المستويات السياسية والقضائية والأمنية والشعبية، لما انطوت عليه من «غرائب وعجائب». وقد استفزّ هذا «الفيلم البوليسي» الرئيس نبيه بري الذي يشغله السؤال عن هوية «مخرجه» الخفي، وللمناسبة، يروي كيف أنه نجا اكثر من مرة من «مكامن التطبيع» الإسرائيلية في الخارج.
بينما كان بري «يتمشى» في عين التينة، وفق التقليد اليومي، استعاد ما ورد في تصريح للسفير اللبناني في واشنطن غابي عيسى، مستغرباً اللهجة التي استخدمها عيسى في التعامل مع ردود الفعل على ظهور الفاخوري في احد استقبالات السفارة اللبنانية.
وعندما قيل لبري إنّ السفير اوضح أنّ الدعوة الى الاحتفال آنذاك كانت مفتوحة، ما سمح للفاخوري بالحضور من دون التدقيق المسبَق في هويته، أجاب بحدّة: السفارة اللبنانية في واشنطن يجب ان تكون مفتوحة امام الجميع، إلّا العملاء. هذا امر لا يمكن التساهل فيه.
واكثر ما يُقلق بري حالياً ليس ملف الفاخوري بحد ذاته، وانما ما هو أبعد منه، إذ ينبّه الى انّ هناك منحى، على ما يبدو، لتنظيف ملفات عشرات العملاء الآخرين، محذِّراً من خطورة ايّ محاولة من هذا النوع، ومشدِّداً على انه لا يمكن القبول بها.
ويؤكد بري لـ«الجمهورية» انّ حركة «أمل» لن تتهاون بتاتاً في مواجهة محاولات تسلل العملاء الى لبنان، «ولن تقبل منحهم ايّ تسهيلات او أسباباً تخفيفية»، مشيراً الى ان الإمام السيد موسى الصدر كان يشدد في ادبياته على ضرورة عدم ازالة الحاجز النفسي مع العدو الاسرائيلي، «وبالتالي نحن لن نسمح بإزالة هذا الحاجز تحت ايّ شعار ومهما كانت الذريعة».
ويلفت بري الى أنه يصدّق بيان قيادة الجيش الذي شرح ملابسات الصورة التي جمعت العماد جوزف عون مع الفاخوري في السفارة اللبنانية في العاصمة الاميركية، ونفى وجود ايّ معرفة مسبقة بينهما، «لأنه يحصل في المناسبات العامة التقاط كثير من الصور بشكل تلقائي».
وضمن هذا السياق، يروي بري ما حصل معه أثناء بعض زياراته للخارج وكيف استطاع الإفلات من «الفخ الاسرائيلي» في اكثر من مكان، قائلاً: خلال احدى حكومات الرئيس الشهيد رشيد كرامي، رافقته مرة بصفتي الوزارية الى اجتماعات هيئة الامم المتحدة في نيويورك، وكانت اقامتنا في فندق مطل مباشرة على مقرّ المنظمة الدولية. وحصل أن زارنا في الفندق وزير الخارجية الجزائري في حينه أحمد طالب الابراهيمي، حيث اجتمعنا به في جناح الرئيس كرامي. وبعد اللقاء، رافق كرامي الوزير الجزائري الى الباب، بينما رافقته أنا حتى المصعد ثم نزلنا سوياً الى البهو، لأنني كنت أرغب في ان أتمشى قليلاً.
ويضيف بري مستعرضاً الوقائع والتفاصيل بأسلوب لا يخلو من التشويق: عند وصولنا الى البهو، جمعتنا المصادفة ببعض الشخصيات المشاركة في ملتقى الامم المتحدة ومن بينها الامين العام للجامعة العربية في تلك الحقبة الشاذلي القليبي، فصرنا نتبادل أطراف الحديث وقوفاً، قبل ان يقترب منا شخص ويباشر في مصافحة الحاضرين، وعندما وصل الى القليبي سأله الاخير عن هويته، فأبلغ اليه انه ديبلوماسي اسرائيلي. عندها، نفض القليبي يده من يد المتسلل الاسرائيلي كأنّ صعقة كهربائية مسّت بها، أما انا فلم استطع ان اتمالك نفسي، إذ قفزت بكل قوتي الى الامام مدفوعاً بطاقة استثنائية شعرت بها فجأة، حتى اصبحت في لحظة امام باب المصعد، عائداً الى غرفتي. ويتابع مبتسماً: لاحقا، عندما أخبرت الرئيس كرامي بما جرى معي، ضحك وقال لي: «الحق عليك. بتضلّك طالع نازل».
ويتوقف بري عند دلالات رد فعل القليبي وانتفاضته، ملاحظاً «كيف ان مجرد الالتقاء بالاسرائيلي، ولو مصادفة، كان غير مقبول في تلك المرحلة، اما اليوم فصار التطبيع بالنسبة الى بعض العرب عادياً. ويا للاسف».
ولا يلبث بري ان يستخرج من جعبته واقعة أخرى مشابهة، راوياً انه زار خلال ترؤسه الاتحاد البرلماني العربي في جنيف للمشاركة في احد المؤتمرات البرلمانية، وكان يومها نور الدين بوشكوش هو الامين العام للاتحاد، فيقول: اثناء وجودنا في مقرّ انعقاد المؤتمر لمحت من بعيد شخصاً اسمر اللون يقترب منا، فظننت انه عربي. لكن، ما ان اصبح في محاذاتنا حتى انهال عليه بوشكوش بالشتائم من العيار الثقيل وطرده من المكان، قائلاً لي إن هذا الشخص هو اسرائيلي، فشكرته على حسن تدبيره، ولاحقاً جدّدت له في منصبه، بعدما اثبت انه يستحقه.