يبدو واضحا أن جولة الصراع الأخيرة بين حزب الله واسرائيل والتي انطلقت من دون سابق انذار أو مقدمات، نهاية شهر آب الماضي فأوشكت الجبهة الجنوبيّة للبنان أن تشتعل من جديد، بعد نحو 13 عاما من التهدئة التي كان يخرقها عمليات محدودة للطرفين لم تكن لترتقي الى حد عبثهما بـ"قواعد اللعبة"، وانتهت الى تثبيت هذه القواعد بعد تيقن تل أبيب "المعتدية" ان لا مجال لتحقيق أيّة مكاسب في هذا الصراع او تحديد أيّ أسس جديدة له بعد ردود ومواقف حزب الله التي شرعت الأبواب على حرب مفتوحة لن تكون اسرائيل قادرة على خوضها.
ويعتبر العميد المتقاعد والخبير العسكري محمّد رمال أن "الامور تبقى حاليا مفتوحة وان كانت أيّ مواجهة عسكريّة مباشرة بين الطرفين مستبعدة كونها تحتاج لظروف غير متاحة اليوم، سواء داخل اسرائيل او على المستوى الاقليمي والدولي"، لافتا الى انه اذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يسعى لتحقيق مكاسب داخليّة اسرائيليّة، فمن المؤكد أن ذلك لا يتحقّق بحرب يحدّد توقيت انطلاقها ولن يكون قادرا على تحديد طريقة وتوقيت انتهائها. أضف أنه على الصعيد الاقليمي والدولي، فانه في ظل المعلومات التي تتحدث عن اتصالات غير مباشرة بين طهران وواشنطن برعاية أوروبية–يابانية، فانّ اي حرب او مواجهة بين اسرائيل وحزب الله ستعيق ايّ مفاوضات للتوصّل لاتفاق نووي جديد". ويضيف رمال": "كل ما يحصل أن نتانياهو يحاول فرض نفسه كلاعب اقليمي على الطاولة خلال ما يجري من محاولات لارساء تسوية معينة في المنطقة، كما انه يسعى لاظهار نفسه الرجل الاقوى والأقدر داخل اسرائيل عشية الانتخابات".
ويستبعد رمّال تماما ان تكون قواعد الاشتباك قد تغيّرت على وقع ما الاعتداء، لافتا الى انه لا شكّ كان هناك خطة لدى نتانياهو لتغييرها، الا ان اسقاط قرار دولي كالـ1701 غير ممكن الا نتيجة حرب وأوضاع ساخنة لا تشكل مصلحة لاي من الاطراف المعنية حاليا. ويشدد رمال على ان لبنان الرسمي متمسك بالقرار الدولي، وقد جاء ذلك على لسان كل المسؤولين، معتبرا انه وبارسال تل ابيب طائرات مسيّرة اتّخذت بُعدا عسكريا-هجوميا بعدما كانت ترسل كل الوقت طائرات استطلاعيّة، كانت تسعى صراحة لتغيير قواعد اللعبة، الا انه وبردّ حزب الله ورفعه السقف ونتيجة المشهد الذي نتج عن ذلك، تم تثبيت هذه القواعد من جديد. وقال: "المجتمع الدولي ليس بوارد تعديل مندرجات الـ1701، ولو كان الامر خلافا لذلك لما تم تجديد ولاية اليونيفل".
الا ان انتهاء الجولة الجديدة باسقاط حزب الله احدى الطائرات الاسرائيليّة المسيّرة لن يكون نهاية المطاف. اذ تؤكد مصادر في قوى 8 آذار مطّلعة على موقف حزب الله انه من وقت الى آخر سوف يستمرّ اسقاط هذا النوع من الطائرات في الاجواء اللبنانيّة، باعتبار ان تهديدات امين عام الحزب السيد حسن نصرالله كانت واضحة تماما بهذا الخصوص. واضافت المصادر: "لكن المواجهة عادت وانتقلت الى اشكال اخرى. فبعد فشل المحاولات العسكريّة والامنيّة الاسرائيليّة، ستمسك واشنطن بزمام المواجهة سواء من خلال طرحها ملفّ العملاء الذي يُعتبر لغمًا كبيرا للبنان، او من خلال عقوباتها التي قد تستمر"، لافتة الى ان تراجع الكثير من الفرقاء اللبنانيين عن مواقفهم السابقة بملف من يسمّونهم "المبعدون قسرا" ما هو الا الدليل الواضح على عدم حاجة واشنطن لحلفائها في هذا الملفّ بعدما قررت خوض هذا المعترك بشكل مباشر، وهو ما تجلى في قضية العميل عامر الفاخوري".
وترى المصادر ان ما حصل مؤخرا في السعوديّة من استهداف لمنشأتين لشركة أرامكو يشرّع المواجهة بين ايران وواشنطن وحلفائهما في المنطقة على مصراعيها، ما يرتب تداعيات عالميّة كبرى.
فأيّة سياسة ينتهجها لبنان بعد سقوط "النأي بالنفس"؟ وهل توازن الرعب الذي يؤمّنه حزب الله كفيل برد الاعتداءات التي لا تأخذ طابعا عسكريا، والتي تبدو مخاطرها أكبر بكثير في بلد يترنح اقتصاديا؟.