لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال ترؤسه قداسا لمناسبة عيد القدسية صوفيا وبناتها الثلاث في كنيسة القدسية صوفيا في الصفرا إلى ان "ملكوت الله بمفهومه العام، هو الكون الذي خلقه الله وهو سيده، أما بمفهومه الدقيق والواقعي فهو الكنيسة المؤسسة على المسيح التي، مثل حبة الخردل، تبدأ صغيرة، ثم تكبر وتتسع لتشمل الكون كله. في الواقع، ولدت الكنيسة من موت المسيح وقيامته، وبدأت مع جماعة صغيرة محدودة العدد، وراحت تنمو وتتكاثر بعد حلول الروح القدس يوم العنصرة. وها هي الآن تتواجد على كامل سطح الكرة الأرضية. الكنيسة عبر التاريخ هي في طور تحقيق ملكوت الله، إلى أن يكتمل في السماء بعد نهاية الحياة البشرية على الأرض. على صورة الكنيسة تنمو حياة كل مؤمن ومؤمنة، فإنها تبدأ صغيرة لكنها مدعوة لتكبر روحيا وماديا وتنمويا، على مستوى الشخص والعائلة والمجتمع والدولة وهكذا نمت القديسة الشهيدة صوفيا وبناتها الثلاث في الحياة الروحية، وبشهادة الدم أنمين الكنيسة على ما قال أحد آباء الكنيسة القديسين: دم الشهداء بذار المسيحيين".
وأشار إلى انه "يسعدني وسيادة أخينا المطران أنطوان - نبيل العنداري النائب البطريركي العام في منطقة جونيه واخواني السادة المطارنة، بحضور سيادة السفير البابوي، أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحيي عيد شفيعة هذه الكنيسة وبلدة الصفرا العزيزة، القديسة الشهيدة صوفيا وبناتها الثلاث الشهيدات: إيمان ورجاء ومحبة، فيطيب لنا أن نهنئكم بالعيد، راجين أن يكون غنيا بالنعم والبركات السماوية. وإنا، إذ نحييكم جميعا، نوجه تحية خاصة إلى كاهن الرعية الخوري جوني التنوري ولجنة إدارة الوقف والجوقة والأخويات والمنظمات الرسولية. كما نحيي رئيس المجلس البلدي والأعضاء والمختار، شاكرين على الدعوة إلى هذا الاحتفال، وعلى تنظيمه. إننا نرجو لكم خير المكافأة، بشفاعة القديسة الشهيدة صوفيا وبناتها، ونوجه أيضا تحية تقدير لموسيقى قوى الأمن الداخلي التي تشارك الجوقة في هذا الاحتفال".
وأضاف "يبقى أن نلقي نظرة إلى واقع وطننا لبنان، ونحن في بداية الإحتفال بالمئوية الأولى لإعلانه دولة مستقلة في أول أيلول 2020. بعد مسار تاريخي طويل لعب فيه البطاركة الموارنة الدور القيادي منذ أواخر القرن السابع مع البطريرك الأول القديس يوحنا مارون، وصولا إلى المكرم البطريرك الياس الحويك الذي ترأس الوفد اللبناني الرسمي إلى مؤتمر الصلح في فرساي بفرنسا في سنة 1919، بعد انهيار السلطنة العثمانية. فقد وضع الحويك في مذكرته الرسمية لمؤتمر الصلح مطالب اللبنانيين، وهي إعلان لبنان دولة مستقلة مع إعادته إلى حدوده التاريخية والطبيعية، بإرجاع الأجزاء المقتطعة منه على يد العثمانيين، التعويضات من المتسببين بالقتل والتجويع وارتكاب الفظائع، تكليف فرنسا بفترة الانتداب، من دون أن ينال من السيادة المطلقة للبنان، فكان "إعلان دولة لبنان الكبير" في أول أيلول 1920 في قصر الصنوبر ببيروت بحضور ممثل الدولة الفرنسية الجنرال غورو الذي تلا قرار الإعلان الدولي، بحضور البطريرك الحويك، لقد وضع البطريرك الحويك وخلفه المباشر البطريرك أنطون عريضه ملامح وجه لبنان الظاهرة في دستوره الأول سنة 1926، وفي الميثاق الوطني سنة 1943، وقد تجددا في مضمونهما الأساسي بوثيقة الوفاق الوطني سنة 1989 في مؤتمر الطائف. أما وجه لبنان الذي يميزه عن مختلف بلدان المنطقة فهو إحلال المواطنة المدنية مكان المواطنة الدينية، واعتماد النظام الديموقراطي الليبرالي، وإقرار التعددية دينا وثقافة بدلا من الأحادية، وجعل العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين بالمساواة وروح التعامل والتكامل أساسا شرعيا للسلطة السياسية، والاعتراف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع كامل الحريات العامة، وفي مقدمتها حرية المعتقد".
وأكد الراعي "إننا نتطلع إلى الجماعة السياسية في لبنان، بمناسبة هذه المئوية، وانطلاقا من حالة اللاإستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي، ونناشدهم بأمرين: الأول، اعتماد نهج حبة الخردل أعني القيام بعملية النهوض بلبنان من الحالة التي ذكرت، بتجردهم من مكاسبهم الخاصة وحساباتهم الضيقة، لكي يتمكن لبنان من النمو بفضل قدراته وقدرات شعبه وشبابه؛ الثاني، العودة إلى خصوصيات لبنان التي تميزه عن غيره وعدم تشويه ملامح وجهه التي جعلت منه رسالة ونموذجا على المستويين العربي والدولي"، مشيراً إلى أن "هذه المناشدة المزدوجة نرفعها صلاة إلى الله، بشفاعة القديسة الشهيدة صوفيا وبناتها الشهيدات الثلاث، راجين قبولها مع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".