أربعة أيام مرّت على الهجوم على منشآت نفط حيويّة تابعة لشركة "أرامكو" في بقيق وخريص بالسعودية، ولم تتمكن الرياض بعد من الوصول إلى تفاصيل هذه العملية. ورغم اعلان الحوثيين في اليمن مسؤوليتهم عن هذه العملية، شارحين تفاصيلها، إلا أن السيناريوهات الأميركية والسعودية لا تزال تتوالى.
عملية البقيق والخريص، ليست الأولى التي يقوم بها الحوثيون ضد الأهداف النفطية. ففي منتصف شهر أيار الماضي، استهدف الحوثيون بسبع طائرات مسيّرة ثلاث مضخّات في خط "أنبوب النفط شرق غرب". أمّا الهجوم الثاني فحصل في شهر آب الماضي، حين تم استهداف حقل نفط الشيبة. إلا أن العملية الأخيرة تبقى الأهم في هذه السلسلة.
في تفاصيل العمليّة، أعلن الحوثيون أنه تم استهداف هذه المنشآت بعشر طائرات مسيّرة، منها نفاث (أيّ لا تعتمد على المروحيّة)، وأخرى بمحرّكات عادية. هنا يُطرح سؤال: هل يمكن لطائرة مسيّرة أن تحمل كميّة كبيرة من المتفجّرات وأن تسير لمسافات كبيرة لتنفجر في هدف معين؟!.
إن أبرز نوعين للمسيّرات هي، تلك التي يمكن توجيهها عبر جهاز تحكّم، والأخرى التي يتم تزويدها بذاكرة مبرمجة مسبقاً وتسير وفق الخريطة الموجودة في ذاكرتها، وبذلك تكون تلقائيّة التوجّه. اما من ناحية الاستخدام فيمكن الحديث عن 3 انواع: الطائرات بلا طيّار المُتخصِّصة في مجال المراقبة والتي تُشكِّل الجزء الأكبر منها، الطائرات بلا طيّار المُزوَّدة بصواريخ هجومية، والطائرات بلا طيّار مُزدوجة الإستخدام، المراقبة والهجوم.
مع مرور الزمن، ومع تطور هذه الصناعات، باتت بعض الجيوش تمتلك طائرات مسيّرة يُمكنها الطيران المُتواصل لأسابيع وحمل صواريخ يتجاوز وزنها آلاف الكيلوغرامات. هذا النوع من الطائرات استخدم بكثافة في الأشهر الماضية في الصراعات في المنطقة من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. وفي الغالب تحمل هذه المسيّرات حمولة لأداء مهامها كأجهزة كاميرات أو حتى القذائف. من هنا، يبدو أن المعركة الحالية في كل المنطقة باتت تعتمد على هذا السلاح الحديث الذي يقلل الخسائر البشريّة من جهة، ويُخفي هوية الفاعل من جهة أخرى.
بالعودة إلى أحداث أرامكو، لم يُعرف حتى اليوم من أين انطلقت هذه المسيّرات. لكن مجموعة معطيات يمكن جمعها للوصول إلى نتيجة معينة:
- في بيان الإعلان عن العمليّة، شكر الحوثيون "الشرفاء والأحرار داخل المملكة في عمليّة الرصد الاستخباريّة". هذه رسالة واضحة للرياض بأن اليمنيين تمكنوا من خرق السعودية استخباراتياً وباتوا يملكون أذرعاً وأعيناً داخل المملكة. هذه الأعين في حال تمكنت من الرصد، ألا يمكنها أن تقوم هي بالعملية؟.
- في تصريح سابق له، أعلن مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي ولايتي أنه في حال منعت إيران من تصدير نفطها، فلن تتمكن أي دولة في الخليج من تصدير نفطها. فهل ما حصل من سلسلة استهدافات للمنشآت النفطية في السعودية هو تنفيذ لهذا الوعد، عبر قاعدة ضرب عصفورين بحجر واحد: رسالة إيرانيّة من جهة، وقواعد اشتباك جديدة فرضها الحوثيون من جهة ثانية؟!.
بناء على ما سبق، لا يمكن حصر فرضية مكان انطلاق المسيرات باليمن، خصوصاً وأن المسافة التي تفصل صعدة عن المنشآت المستهدفة هي 1300 كم وهي مسافة يمكن ان تقطعها طائرة "صماد-3" التي يمتلكها الحوثيون وسبق أن استعملوها لاستهداف مطار أبو ظبي، ما يطرح أيضا فرضيات جديدة عن مكان الإطلاق. فمن الممكن أن تكون مصدرها الجماعات المعارضة للنظام السعودي داخل المملكة، وخصوصاً في منطقة القطيف والتي تبعد مسافة 100 كم فقط عن هذه المنشآت. أو قد تكون انطلقت من جنوبي العراق دون أن تلاحظها الرادارات (1)، حيث تنتشر بكثافة المجموعات المسلحة الحليفة لإيران. وهذه المنطقة تبعد نحو 600 كم عن المنطقة المذكورة. كما أن إحدى الفرضيات هي ان تكون قد انطلقت هذه المسيرات من أقرب يابسة إيرانية (مسافة 400 كم) أو حتى من إحدى السفن الإيرانيّة في الخليج الفارسي.
وهذه الفرضيات كلها، لا يمكن نفيها قبل أن تظهر الحقيقة الكاملة. فالجبهة اليوم بين المحور الإيراني وحلفائه في المنطقة، والمحور السعودي ومن خلفه أميركا، باتت مفتوحة، خصوصاً بعد إعلان الكثير من قيادات المحور الأول، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بأن الحرب على طهران والحصار الذي تتعرض له، سيُلاقى برد من كل المحور وليس فقط من إيران وحدها.
تعدّدت الفرضيات والنتيجة واحدة، وهي أن السعودية تعرّضت للضربة الأقسى منذ بدء الحرب على اليمن، وأن ارتداداتها لم تنته بعد خصوصا أن هناك من يتحدث عن سيناريوهات اميركيّة عسكرية للرد عليها...
(1) معروف عن المسيّرات قدرتها على التخفي عن أعين الرادارات العسكرية والمدنية، ولأجل ذلك تحاول المصانع العسكرية اليوم الوصول الى التقنيات التي تمكّنها من كشف هذه الطائرات الصغيرة بغض النظر عن الارتفاع الذي تطير به.