في 1 آذار من العام 2009، بدأت المَحكمة الدَوليّة الخاصة بلبنان أعمالها في قضيّة إغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005، بعد الكثير من الأخذ والردّ بين مُعسكري 8 و14 آذار آنذاك، وفي ظلّ أجواء ترهيب داخلية غير مَسبوقة على مُستوى التفجيرات وعمليّات الإغتيال الإرهابيّة. واليوم، وبعد نحو 15 سنة على جريمة إغتيال الحريري، وبعد قُرابة 10 سنوات على إنطلاق أعمال المحكمة الدَوليّة، فتحت هذه الأخيرة قضيّة جديدة أمامها، لجهة الربط بين عمليّات إغتيال ومُحاولات إغتيال أخرى حصلت في لبنان(1)، بجريمة تصفية رئيس الحكومة اللبناني الأسبق. فماذا تعني هذه الخُطوة، وهل من تغيير في أسلوب المُحاكمة، وهل من نتيجة ملموسة مُنتظرة؟.
من الناحية النظريّة، إنّ توجيه المَحكمة الدَوليّة الإتهام إلى سليم جميل عيّاش في عمليّات إغتيال ومُحاولات إغتيال جديدة، غير جريمة إغتيال الحريري(2)، طالت كلاً من من الوزير السابق مروان حمادة (1 تشرين الأوّل 2004)، وجورج حاوي (21 حزيران 2005)، وإلياس المُرّ (12 تمّوز 2005)، يُشكّل تمديدًا جديدًا لعمل اللجنة، حتى لوّ صدر الحُكم النهائي في قضيّة أغتيال رئيس الحكومة الأسبق، طالما أنّ لبنان لم يطلب رسميًا وقف هذه التحقيقات، ولا يزال يُسدّد حصّته من مصاريف اللجنة والتي تبلغ 40 مليون دولار أميركي سنويًا. إشارة إلى أنّ المعلومات المُسرّبة من أوساط المحكمة رجّحت خلال الأشهر القليلة الماضية صُدور الحُكم النهائي في قضية إغتيال الحريري، في تشرين الأوّل أو الثاني المُقبلين، والتي كانت المُرافعات النهائيّة فيها قد إختتمت في أيلول من العام 2018.
من جهة أخرى، لا شكّ أنّ ربط كل هذه الجرائم بعضها ببعض، لناحية الجهة التي تقف وراءها والتي أعطت الضوء الأخضر لتنفيذها، ولناحية الشبكات الإرهابيّة المُسلّحة التي نفّذت هذه الجرائم على الأرض، يؤكّد أنّ ما حصل في لبنان من إغتيال ومن عمليّات تفجير إرهابيّة بعد "ثورة الأرز" في العام 2005، يدخل في سياق مُخطّط كامل ومُتكامل، قضى بمُواجهة رموز هذه "الثورة" بالقتل المُنظّم والإغتيال الجسدي.
وبالنسبة إلى أسلوب المُحاكمة المُنتظر فهو لن يختلف عمّا سبق، لجهة إستغراق سنوات وسنوات من التحقيقات، قد تطول أكثر ممّا حصل في قضيّة إغتيال رئيس الحُكومة الأسبق، وذلك نتيجة تراجع الغطاء الداخلي الذي يسمح للمُحقّقين بإجراء أي تحقيقات ميدانية ذات شأن في لبنان، وكذلك نتيجة تراجع الغطاء الداخلي الذي كان متوفّرًا من قبل جزء مهمّ من داخل السُلطة اللبنانيّة للمحكمة الدَولية، بعكس ما هو الواقع اليوم، حيث أنّ الأكثرية الحاكمة هي ضُدّها أو في موقع حيادي منها.
وفي ما خصّ النتيجة المُنتظرة، إن لجهة قرب صُدور الحُكم في قضيّة إغتيال الحريري، أو لجهة قرب إنطلاق المُحاكمات في عمليّة إغتيال حاوي ومُحاولتي إغتيال المرّ وحماده، فإنّها لن تتجاوز المُحاكمة الإعلاميّة والمَعنويّة في أفضل الأحوال، للأسف الشديد. والسبب أنّ موازين القُوى في لبنان لا تسمح بإجراء أي تحقيقات ميدانيّة فعّالة أو أي مُداهمات لإعتقال المطلوبين، وبالتالي إنّ مُذكّرة التوقيف المُوجّهة من قاضي الإجراءات التمهيديّة في المحكمة الدَوليّة إلى السُلطات اللبنانيّة لن تُنفّذ.
في الخُلاصة، إنّ مُحاكمات المَحكمة الدَوليّة والتي فقدت بريقها بسبب الفترة الزمنيّة الطويلة التي إستغرقتها، فقدت أيضًا فعاليّتها بعد التغييرات في موازين القوى التي حصلت محليًا وإقليميًا. وبالتالي لا أمل مرجوّ من المُحاكمات الإعلاميّة، والمُؤسف أنّ المُجرمين لا يزالون يمرحون بكل حريّة، أكانوا فعلاً من تُوجّه لهم المَحكمة السهام أم كانوا سواهم. وفي الحالين، لم تتجرأ السُلطة اللبنانيّة على فتح ملفّ أي جريمة حصلت بعد "ثورة الأرز"، بحيث بقيت هذه الجرائم خالية من المُستندات، وكأنّ شيئًا لم يكن!.
ناجي س. البستاني