إتخذت الحرب على سوريا اشكالاً متعددة، وتدرّجت في مراحل عسكرية وإقتصادية عدّة. واذا كانت دمشق حسمت أمر الميدان، بإستثناء مناطق في الشمال والشرق، فإن الحرب الإقتصادية تستهدف العملة السوريّة لإجبارها على الرضوخ للإملاءات الدوليّة. لكن تُسجّل إشارات بالجملة حول توجّه خليجي لإجراء صلح علني مع الدولة السورّية، بعد حصول زيارات ولقاءات متبادلة سرًّا باشرتها الإمارات العربيّة المتحدة، ويُنتظر ان تُتوجهها المملكة العربية السعودية المشغولة بحرب اليمن والنزاع المفتوح مع الإيرانيين. بالطبع يُساهم الحلف السوري مع طهران بتأخير الخطوات الخليجيّة نحو دمشق، لكتها آتية بشهادة كل المطّلعين الذين يتحدثون عن رغبة خليجيّة لإعادة لم الشمل مع سوريا، ودفع أموال للإعمار.
الخطير هو القطوع الذي مرّت به سوريا في الفترة القليلة الماضية، من خلال استهداف عملتها الليرة، بعد خوضها معركة إقتصاديّة نقديّة صعبة جدا، بحسب توصيف أحد الخبراء السياسيين والإقتصاديين. فماذا جرى؟ يقول أبرز خبير إقتصادي في سوريا شادي أحمد "إن قاعدة الإنطلاق كانت تركيا عن طريق ثلاث أدوات: أولاً، أحد المواقع الإلكترونيّة الموجود في تركيا والذي كان يُحدّد سعر الصرف في السوق السوداء. ثانياً، قادة المجموعات المسلّحة في إدلب الذين ضغطوا على الدولار في السوق السوريّة بهدف تجميعه وتهريبه إلى تركيا. ثالثاً، قامت تركيا بجمع كميّات كبيرة من الليرة السوريّة في مدينتي غازي عنتاب وكيليكس".
لكن لا تقتصر العوامل عند هذا الحد، بل ان هناك مجموعة من رجال الأعمال السوريين "نفذت لعبة إجازات الاستيراد، عبر فتح إجازات لفترة طويلة، فتقوم بعد الحصول على المؤن بالمماطلة بالتنفيذ ريثما يرتفع سعر الصرف وتكسب الوقت".
بدا "أن توقيت المعركة إعتمد على قيام الحكومة السوريّة والبنك المركزي بتأمين وطرح 240 مليار ليرة دفعة ثمن محصول القمح ومليارات أخرى لباقي المحاصيل، فهذا المبلغ لا يذهب بالكامل إلى المزارعين، بل إلى ضامني المحصول، أيّ كبار المموّلين والذين بدورهم يقومون بإستبدال الليرات بالدولار، مما يشكلّ ضغطاً مباشر. كما أن قيام الحكومة والبنك المركزي بتوفير القطع اللازم لتأمين المشتقّات النفطيّة لفصل الشتاء يؤدي الى إخراج عملات أجنبية". بحسب المخطّطين يضطر البنك المركزي وتحت ضغط الرأي العام للتدخل بالسوق السوداء عن طريق طرح دولارات، وبالتالي استنزاف الاحتياطي الموجود لديه المخصّص لتمويل المستوردات الضرورية. كما إجبار البنك المركزي على رفع سعر صرفه الرسمي إلى مستويات السعر الأسود وبالتالي عدم القدرة على اللحاق به. أيضاً إجبار الحكومة على رفع جميع الأسعار بشكل نهائي وإعداد موازنة 2020 بسعر دولار مرتفع وبالتالي تثبيت انهيار اقتصادي وتعزيز وضعية الجمود الاقتصادي في سوريا.
ولذلك اراد هؤلاء ان يؤسّسوا لمرحلة ثانية وهي مرحلة انهيار الليرة السورية بشكل كامل على غرار ما حدث للدينار العراقي بعد الغزو الأميركي، وصولاً إلى فرض عملات بديلة وهي الليرة التركية في الشمال والدولار في بقية المناطق. لكن بتصرف الدولة السورية عبر اجراءات حاسمة للمصرف المركزي السوري إستطاعت ان تحدّ من تداعيات المخطّط المفروض، من دون ان يعني ذلك ان المعركة انتهت. ومن هنا وضعت دمشق مختلف السيناريوهات للتعامل مع التحدّيات الماليّة في ظلّ ترقّب دائم، بعد أنْ تحسّن وضع الليرة السورية بشكل لافت جداً وإنخفض سعر صرف الدولار، وهو ما ثبّت للسوريين ان دولتهم قادرة، والمصرف المركزي لديهم قوي وادارته حكيمة.