لم تخرج نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية الـ22 لـ"الكنيست" عمّا هو مُتوقّع، وما كُنّا قد أشرنا إليه في مقالات سابقة في "اللـواء"، بتقارب أصوات معسكرَي اليمين المُتطرّف برئاسة رئيس حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو و"الوسط - يسار" برئاسة رئيس حزب "أزرق - أبيض" بيني غانتس.
جعلت نتائج الانتخابات الوضع صُعباً ومُعقّداً، بعدما لم تعط أيّاً من المُعسكرَين تشكيل حكومة بشكل مُستقل، لعدم الحصول على 61 مقعداً، من أصل 120، ما يجعل الحاجة مُلحّة إلى أصوات "القائمة العربية المُشتركة" برئاسة أيمن عودة، التي نالت 13 مقعداً، مُحقّقة تقدُّماً عمّا نالته في انتخابات نيسان الماضي، والذي بلغ 10 مقاعد، وحزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، الذي تمكّن من حصد 9 مقاعد، بعدما كان نال في الانتخابات الماضية 5 مقاعد.
ويُتوقّع أنْ يكون الموعد المُحتمل للإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، مساء اليوم (الخميس)، بعد الانتهاء من فرز الأصوات في المُغلّفات المُزدوجة، البالغ عددها أكثر من 200 ألف، والتي تعود إلى جنود من
جيش الاحتلال وسُجناء، ومرضى يُعالجون في المستشفيات، وأفراد السلك الديبلوماسي في الخارج.
وذُكِرَ أنّه بعد فرز نحو 90% من أصوات المُقترعين تقريباً - باستثناء الأصوات في المُغلفات المزدوجة - فإنّ النتائج غير الرسمية للانتخابات، تشير إلى أنّ حزب "أزرق - أبيض" برئاسة غانتس حصل على 32 مقعداً، "الليكود" برئاسة نتنياهو 31 مقعداً، "القائمة العربية المُشتركة" 13 مقعداً، و"شاس" 9 مقاعد.
كما حصل حزب "يهدوت هتوراه" على 8 مقاعد، و"يمينا" 7 مقاعد و"العمل - غيشر" 6 مقاعد و"المعسكر الديمقراطي" 5 مقاعد.
ويُشكل معسكر "الوسط - يسار" و"المُشتركة" الأغلبية مع 56 مقعداً، فيما حصل معسكر اليمين على 55 مقعداً.
أما حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان، فلديه 9 مقاعد، وهو الذي سيحسم النتيجة حال انضمامه إلى أحد المُعسكرَين.
السباق بين الكتل النيابية في "الكنيست"، هو على مَنْ يخدم الكيان الإسرائيلي بشكل أكثر، انطلاقاً من "قانون القومية" العنصري، وبالاتفاق على الفلسطينيين، مع التركيز على الاستفادة من أصواتهم وعدم إشراكهم في الحكومة، وهي شروط تكاد تكون لدى مُعسكر اليمين وغالبية أحزاب مُعسكر "الوسط - يسار" وحزب "إسرائيل بيتنا".
في المُقابل، فإنّ الفلسطينيين الذين اعتبروا أنّهم حقّقوا انتصاراً، بما أحرزوه من نتيجة، رغم التحريض والكراهية التي مارستها أحزاب إسرائيلية، وفي الطليعة نتنياهو، حقّقوا المركز الثالث، وهدفهم الرئيسي تحقيق بعض المُكتسبات، وإفشال "صفقة القرن"، وإزاحة نتنياهو عن الواجهة، بعدم تمكينه من التكليف لتشكيل الحكومة، ما يعني أنّه سيكون بمُواجهة ملفات الفساد، خاصة أنّ هناك جلسة استجواب مُحدّدة له بداية شهر تشرين الأوّل المقبل، وهو ما سيقوده إلى السجن.
وسيكون رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أمام مُهمّة دقيقة، لم يمر بها الكيان الإسرائيلي من قبل، انطلاقاً من أنّ أيّاً من المُعسكرين لم يتمكّن من حصد الأصوات، التي تخوّله تشكيل الحكومة بسهولة.
وأمام احتمال طرح تشكيل "حكومة وحدة"، وهو ما يُريده غالبية الإسرائيليين، وما يحتاج إليه المُجتمع الإسرائيلي للخروج من الواقع الراهن، فإنّ المُعضلة التي ستواجه ريفلين هي كيفية إقناع نتنياهو، بالشراكة مع آخرين في رئاسة الحكومة، وهو الذي حصل على تعهُّد من قادة الأحزاب اليمينية المُتطرّفة والحريدية بألا يتم ترشيح غيره لرئاسة الحكومة، قاطعاً الطريق على ترشيح غانتس لتشكيلها، مع الإبقاء على قناة صغيرة مع حزب "أزرق - أبيض" لدعمه تشكيل الحكومة، حيث يحاول إحداث شقاق داخل حزب "أزرق - أبيض"، المُكوّن من ثلاثة أحزاب: "مناعة لإسرائيل"، "تيلسيم" و"يش عتيد"، وهو ما يُراهن عليه نتنياهو كثيراً، أو استمالة حزب "ميرتس"!
وتقرّر في الاجتماع، الذي عقده نتنياهو في ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي في القدس، مع رؤساء أحزاب اليمين المُؤيّد له، تشكيل فريق مُفاوِض مُشترك من جميع أحزاب اليمين، وهي "شاس"، "يهدوت هتوراه"، "اليمين الجديد"، و"البيت اليهودي - الاتحاد الوطني"، اللذين انفصلا عن حزب "يمينا".
وغمز نتنياهو، الطامح إلى تشكيل حكومة خامسة له، بأنّ "إسرائيل تحتاج في الوقت الحالي، إلى حكومة صهيونية قوية، وليس حكومة تعتمد على الأحزاب العربية أو انتخابات ثالثة".
وسيقود وزير السياحة يارين يفين المُفاوضات المُشتركة للكتل اليمينية المُشكّلة حديثاً.
ويعلم نتنياهو علم اليقين، بأنّ هناك مَنْ يتربّص به، لإنهاء حياته وإخراجه من المشهد السياسي، من داخل اليمين فضلاً عن مُعسكر "الوسط - يسار"، الذي يترقّب رئيسه غانتس أنْ يحظى بتكليف تشكيل الحكومة.
وفي ضوء النتائج، فإنّ نتنياهو، الذي يرى أنّ فرصة مُنافسه غانتس للتكليف بتشكيل الحكومة أكبر، يرغب إذا ما حصل عليها، أنْ يفشل في أوّل تجربه له، وفي هذه الحالة بالإمكان أن يُمارس ضغوطاً أكبر عليه.
وفي مُعسكر "القائمة المُشتركة"، التي احتفلت بما حقّقته من نتائج، اعتبر رئيسها عودة أنّ "العرب منعوا نتنياهو من إشغال ولاية أخرى في منصبه".
وتلقّى عودة اتصالاً هاتفياً من غانتس، الذي وعده بالعمل على "تشكيل حكومة وحدة تُعبّر عن إرادة الشعب"، فرئيس "أزرق – أبيض" يُدرك أنّه بحاجة إلى أصوات "القائمة المُشتركة"، وأيضاً ليبرمان.
من جهته، فإن ليبرمان، الذي يُعتبر فائزاً في الانتخابات، بعدما أصبحت كتلته 9 نوّاب، مُضيفاً إليها 4 مقاعد عن الانتخابات الماضية، التي أدّت شروطه إلى فشل نتنياهو بتشكيل الحكومة حينها، ما أدّى إلى حل "الكنيست"، بفرض شروطه على مَنْ يُرشّح لتكليف بالتشكيل، وفي نيلها الثقة وحتى مصيرها في هذه الدورة!
وليبرمان على يقين بأنّه سيفرض شروطه للتشكيل، ويسعى إلى إقصاء العرب والأحزاب الحريدية، ويدعو إلى تشكيل حكومة وحدة مع "الليكود" و"أزرق – أبيض"، ورفض أي إمكانيات أخرى لتشكيل حكومة.
ووصل به الأمر إلى المُجاهرة بأنّه إذا لم يُعلن نتنياهو وغانتس عن نيّتهما الدخول في حكومة وحدة، فلا داعي للاتصال به أبداً، لأنّه لا تُوجد أي إمكانية أخرى بالنسبة له.
ميدانياً، دشّنت قوّات الاحتلال اليوم الأوّل، الذي تلى الانتخابات بإعدام فتاة فلسطينية (50 عاماً) بدم بارد، عندما أطلق أحد جنود الاحتلال النار باتجاهها من مسافة قريبة، صباح أمس على حاجز قلنديا - شمال القدس، وتركها في الأرض تنزف، مانعاً وصول سيّارات الإسعاف لتقديم العلاج لها، ما أدّى إلى استشهادها، في جريمة يندى لها الجبين، وفق ما ظهر في فيديو جرى توثيقه للحظة الإعدام.