اثار اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالامس ترشيح مبعوثه الخاص لشؤون تحرير الرهائن روبرت أوبراين لمنصب مستشار الأمن القومي وذلك بعد إقالة جون بولتون الكثير من التساؤلات حول الاستراتيجية الاميركية الجديدة، والحديث عن التفافة جديدة لترامب في السياسة الخارجية بعد الخطوة المفاجئة الأسبوع الماضي بإقالة "المؤيد لاستخدام القوة العسكرية الأميركيّة في الخارج وأحد المتشددين الرئيسيين في الإدارة الأميركية حيال إيران". وفي حال تعيينه، سيصبح أوبراين رابع مستشار أمن قومي في فترة ترامب الرئاسيّة الأولى، وهو أكبر عدد حصل عليه أي رئيس أميركي في الولاية الأولى.
"لا تغيير"
الكاتب في صحيفة "صدى الوطن" الاميركية علي منصور اعتبر ان تعيين روبرت أوبراين يكشف ان سبب اقالة جون بولتون هو خلافات شخصيّة تتعلق بأسلوب ترامب وليس اختلافا في التوجّهات، فالرئيس الأميركي يأخذ الاستشارة لكن الكلمة الأخيرة له، وهو شخص صعب المراس ويملك عقليّة "ربّ العمل" الذي لا يُردّ له أيّ طلب.
وذكر منصور ان "روبرت أوبراين من المنظّرين لمجابهة الأخطار القادمة من روسيا والصين، وشبّه الاتفاق النووي مع ايران الذي وقعه الرئيس الاميركي باراك أوباما عام 2015 بـ"اتفاقية ميونخ عام 1938" والتي كانت نتيجتها إشعال المستشار الالماني اودلف هتلر للحرب العالميّة الثانية". كما اشار الى ان "روبرت أوبراين كتب بانتظام عن السياسة الخارجيّة وجمع سلسلة من المقالات في كتاب بعنوان "بينما تنام أميركا"، الذي نُشر عام 2016. في هذا الكتاب، حذّر أوبراين من المخاطر التي تشكلها القوى الكبرى مثل روسيا والصين منتقداً أسلوب "الاسترضاء والتراجع" الذي اتّبعه الرئيس الأسبق باراك أوباما بسبب ما اعتبره أوبراين سياسة خارجية ضعيفة".
"مسار العقوبات قائم"
وفي السياق، ذكرت مصادر مطلعة على الملف الاميركي ان "أوبراين كان يعمل مع بولتون عندما كان سفيرا في الامم المتحدة ايام الرئيس الاميركي جورج بوش الابن، وهذا دليل اضافي على توافق الافكار والنهج وإن بأسلوب مختلف، وربما سيكون أوبراين أخطر من سلفه بولتون لما يتّصف به من انضباط وحنكة وفهم واسع لشخصية ترامب. وقبل ان يتولى منصبه الحالي كان يتابع ملف تحرير الرهائن والمعتقلين في الخارج، ايّ كل مواطن اميركي مسجون خارج الولايات المتحدة يعمل على إطلاق سراحه، وقد نال إعجاب الرئيس الأميركي (الذي لا يعرفه شخصياً) ولفت نظره من خلال نجاحه في تحرير أحد مغني الراب الذي كان مسجوناً في السويد".
وبحسب المصادر فإن "الحديث عن اقتناع ترامب بفشل مسار العقوبات ضد ايران فلجأ لتغيير بولتون غير دقيق، لأنّه لايزال يصّر على مسار العقوبات كخيار أول رغم تلويحه بالخيار العسكري من حين لآخر، وهذا ما يجيده ببراعة: التهويل ثم التهويل من على منصّته المفضّلة "تويتر".
بالمحصلة التحرك العسكري ضد ايران لا يزال بعيدا رغم التلويح اليومي به، لا سيما وانّه لم يردّ على اسقاط الطائرة الاميركيّة في خليج عمان، فهل سيرد على الهجوم ضد "ارامكو" في السعودية؟ والإيراني غير آبه لأنّه يعلم ان خيارات الرئيس الأميركي محدودة، لذلك استولى على حاملة نفط بريطانية على مرأى من العالم أجمع واستطاع تحرير ناقلته وإفراغها في سوريا".
"الحلف ضد ايران"
على صعيد متصل، رأت أوساط متابعة ان "ترامب سيستغل الموقف كالعادة لابتزاز السعودية ودفعها للمزيد من الاستثمارات وللضغط على طهران، وقد فشل في السابق بتشكيل جبهة اوروبيّة ضد الجمهورية الاسلاميّة لحماية تدفق النفط عبر الممرات والمضائق المائيّة، اليوم سيعاود الكرّة لتشكيل هذا الحلف وجمع أكبر عدد من الدول الأوروبيّة، لأن ترامب لا يريد أن يتحمل لوحده تبعات الإشتباك مع إيران التي تملك ترسانة عسكريّة ضخمة وأسطولاً بحرياً هو الأكبر في منطقة الخليج، إضافة إلى وجودها بقوّة في أربع بلدان عربيّة، مما يجعل الإشتباك العسكري معها أشبه بحرب عالميّة ستغير وجه المنطقة، ناهيك عن الأزمة الإقتصاديّة التي ستضرب كل دول الخليج وأوروبا والولايات المتحدة خلال فترة استعداده لخوض انتخابات صعبة العام المقبل". واكد ان "الخطأ ممنوع لديه، وأيّ دعسة ناقصة ستكلفه خسارة كرسيه في البيت الأبيض.
وبحسب هذه الاوساط "مخطئ من يعتبر أنّه "غبي وجاهل"، فالرجل يعمل ضمن برنامج دقيق ومدروس للمحافظة على أكبر استقرار اقتصادي داخلي حتى موعد الإنتخابات في تشرين الثاني من العام المقبل، وهو لن يغير في استراتيجيته وبرنامجه لتجديد ولايته كرمى لعيون أحد".
"المرحلة الاخطر"
واعتبر منصور ان "ضربة "أرامكو" هزّت الإقتصاد العالمي وتأثرت بشكل مباشر الأسواق الأميركيّة حيث ارتفع سعر المحروقات وتمت الإستعانه باحتياطيات النفط للحفاظ على استقرار الإسعار عند حدود متوسطة. "فسياسة العقوبات عند ترامب أهم من الحرب، لأنّها ببساطة تطال إيران وحدها وتنال من اقتصادها وربما سيكون ذلك دافعاً وحافزا لثورة داخلية كما يعتقد، أما الحرب فنيرانها ستطال الجميع. لكن علينا ألاّ ننسى بان المرحلة دقيقة جدا وهي اخطر من مرحلة الهجومين الاسرائيليَيْن على سوريا والضاحية والرد عليهما في مستعمرة أفيفيم، لانّه كلما شدّدت الولايات المتّحدة العقوبات على إيران كلما صعّدت الأخيرة من ضرباتها في المنطقة مباشرة او عبر حلفائها، وهنا علينا أن ننتظر الفعل وردّ الفعل اللذان يمكن نتيجة حسابات خاطئة من الطرفين ان يخرجا عن الإستراتيجيّة المرسومة لهما ويتدحرجا إلى اشتباك عسكري لا يمكن التكهّن كيف سينتهي في منطقة تقبع فوق حقول مشتعلة من النفط والغاز".
إذا، العين اليوم على السياسة الاميركية في المرحلة المقبلة بعد تعيين المستشار الجديد للأمن القومي في اميركا، فهل سيبقى التصلّب سيد الموقف في واشنطن، ام ان هناك سياسة جديدة سيتبعها ترامب قبيل الانتخابات الرئاسية الاميركيّة ليضمن ولاية جديدة له؟!.