ما من شك في أنّ الانتخابات الإسرائيلية الثانية في غضون خمسة اشهر، وما يحصل للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل زاد غموض الصورة السياسية. والأكيد أنّ الفائز الوحيد هو افيغدور ليبرمان الذي زاد عدد مقاعد حزبه في الكنيست ونصّب نفسه بيضة القبان لإخراج بلاده من الأزمة السياسية الحاصلة.
لكن الاسئلة الاهم التي من المبكر الاجابة عنها تتمحور على شكل الائتلاف الحكومي المقبل. فهل يكون ائتلاف بين «الليكود» و«أزرق ابيض» أم بين «الليكود» و«اسرائيل بيتنا» بزعامة افيغدور ليبرمان، علماً أنّ الاخير دعا الى حكومة وحدة وطنية، ومَن سيترأس هذه الحكومة؟ وما هو مصير بنيامين نتنياهو حيث كان كل من بيني غانتس وافيغدور ليبرمان قد اشترطا إزاحة نتنياهو واختيار «الليكود» بديلاً منه للشروع في تعاون حكومي.
واستطراداً فإنّ إزاحة نتنياهو التي اصبحت احتمالاً قائماً ستعني سقوط أحد أهم أعمدة مشروع «صفقة القرن».
كذلك على أيّ مشروع ستقوم حكومة الوحدة الوطنية؟ وكيف ستتعامل مع المحاور الإقليمية وازمات غزة والتحديات في سوريا وترسيم الحدود مع لبنان، اضف الى ذلك الصراع الدائر مع ايران؟.
اسئلة كثيرة اساسية من المبكر الاجابة عنها، وهي في انتظار الورشة في اسرائيل مع عدم إغفال الإشارات السلبية الروسية تجاه نتنياهو ما انعكس عليه انتخابياً بذهاب معظم اصوات الجالية الروسية الى ليبرمان.
وكذلك البرودة التي تعامل بها الرئيس الاميركي مع حملة نتنياهو، بخلاف دعم واشنطن وموسكو الكبير لحملة نتنياهو قبل خمسة اشهر. وبالتالي فإنّ التساؤل يصبح مشروعاً عمّا اذا كان ثمّة اقتناع اميركي- روسي بأنّ مهمة نتنياهو استُنفدت ولا بد من إبداله. مع الاشارة الى انّ الرئيس الروسي سيزور اسرائيل مطلع السنة المقبلة.
وبصرف النظر عن المشروع السياسي الذي ستتبنّاه الحكومة الاسرائيلية الموعودة، إلّا أنّ ثمّة ثوابت ستطبع سلوكها بدءاً من مواجهة إيران في سوريا ومروراً بمعالجة ملف غزة وزيادة الضغط على «حزب الله».
فعلى مستوى المنطقة ما من حاجة الى دليل اضافي أن واشنطن لن تذهب الى الحرب مع ايران. وبخلاف آمال بعض الدول العربية التي قاربت الاوهام، فإنّ للسياسة الاميركية مصالحها التي تتحرك على اساسها وليس لتأمين مصالح الآخرين.
فعلى سبيل المثال، إنّ دوناد ترامب لم يكن منزعجاً من نتائج استهداف «ارامكو» في السعودية. وبخلاف القراءات المختلفة فإنّ قراءة البيت الابيض وجدت مصلحة اقتصادية اميركية لها.
ذلك انّ الدول التي تأثرت كونها تستورد نفط «أرامكو» هي الصين واوروبا واليابان، وبالتالي فإنّ اقتصاد هذه الدول هو المعرَّض للضرر، مع الاشارة الى انّ هذه الدول تشكل منافساً اقتصادياً للولايات المتحدة الاميركية.
اضف الى ذلك فإنّ ارتفاع اسعار النفط يجعل استخراج النفط الصخري اكثر ربحية وهو المتوافر بكثرة في الولايات المتحدة.
عدا عن اعتبار ترامب انّ النار في الخليج ستؤدي الى فتح المزيد من خزائن المال وضخّها الى الاسواق الاميركية وهو ما يفيد ترامب في حملته الانتخابية، وهو ما طالب به ايضا بشيء من الوقاحة.
باختصار لا يبدو أنّ واشنطن تتجه لتنفيذ ردّ على قصف «أرامكو»، واذا حصل ردّ شكلي فإنّ ايران ستردّ على الرد، وهنا بيت القصيد.
ذلك أنّ طهران تنتهج سلوكاً هجومياً منذ اشهر، وبالتالي فإنّ الحكومة الاسرائيلية المقبلة لا بد من أن ترسم سياستها الاقليمية تحت السقف الاميركي، ولكن مع سعي لتوسيع دائرة التطبيع مع دول عربية، وتولّي وظيفة الدرع العسكرية لهذه الدول في مواجهة ايران.
وفي المواجهة المحدودة التي حصلت بين «حزب الله» واسرائيل الكثير من الدروس والعبر. ففي سوريا بدا واضحاً أنّ اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية حققت تقدّماً في اختراقها نتيجة الحروب وانكشاف الساحة.
فالمقرّ الذي قصفته يومها كان لإيران، لكن صدف أن كان فيه كادران أساسيان لـ«حزب الله» متخصّصان في اطلاق الطائرات المسيّرة، لكن ثمّة نقطة لا تزال غامضة، هل كان المقصود اغتيال عنصرَي «حزب الله»، أم حصل ذلك خطأ من خلال استهداف ايرانيين في مركز ايراني. وسبب السؤال أنّ اسرائيل طالما تجنّبت استهداف عناصر «حزب الله» تجنّباً لهزّ قواعد الاشتباك في جنوب لبنان.
وفي عملية الضاحية الجنوبية ثمّة جوانب مثيرة في العملية الاسرائيلية. ذلك أنّ الطائرة المسيرة الاولى ثبت أنها اطلقت من زورق اسرائيلي سريع من نوع زودياك توقف قبالة الروشة. والسؤال كيف تمكّن هذا الزورق من الوصول الى هذه المنطقة رغم أنّ البحر تحت مراقبة البحرية الالمانية الدائمة منذ عام 2006.
إنّ الطائرة المسيّرة التي سقطت بسبب ارتطامها بكابلات الكهرباء والإنترنت ومولدات الكهرباء، أخفقت في زرع عبوة في الهدف المحدّد. لذلك انطلقت بسرعة من خلف الحدود اللبنانية الجنوبية طائرة ثانية بغية تدمير الهدف نفسه، وبعلوّ منخفض تحت خط كشف الرادار، وكانت طائرة الدرون الاسرائيلية الثالثة الموجودة على علوّ مرتفع فوق المنطقة تعمل على تنسيق العملية. واصطدمت الطائرة الثانية بدورها بالكابلات ما أدّى الى انحرافها عن مسارها وانفجارها بعيداً عن المكان المحدّد.
أخفقت العملية برمتها، وأعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أنه سيردّ بهدف منع تكريس معادلة جديدة لا في سوريا ولا في لبنان.
وجاء الرد الاحد في الاول من ايلول الجاري، لكن ثمّة عوامل طرأت. فالاوامر كانت تقضي باستهداف دبابة اسرائيلية، لأنّ طاقمها هو من ثلاثة الى اربعة جنود كحدّ أقصى، وهذا كان المطلوب. لكنّ التحرّكات الآلية الإسرائيلية توقفت نهائياً، ما ألزم مجموعات «حزب الله» باستهداف أوّل آلية ظهرت وكانت ناقلة جنود، رغم المخاطرة بسقوط عدد من القتلى فيما لو أُصيبت الآلية، وهذا كان سيؤدي الى تطور المواجهة.
كذلك كانت هنالك ثلاث مجموعات نسّقت في ما بينها لإطلاق ثلاثة صواريخ في الوقت نفسه على الهدف نفسه، من مواقع مختلفة، لكن ما حصل أنّ أحد الصواريخ لم ينطلق بسبب عطل تقني، فيما انطلق الصاروخان الآخران من مسافة بعيدة تقارب الاربعة كلم ما ادّى الى إصابة الآلية بأضرار غير مباشرة.
لكن رسالة «حزب الله» كانت يومها فيما لو ظهرت الدبابة، وجرى «تذويبها» بثلاثة صواريخ، إعطاء صورة قاسية عمّا سيصيب سلاح المدرعات في حال نشوب حرب.
لكن اسرائيل استوعبت خطورة الوضع وأبعاده واحتوت الموقف، لأنها غير مستعدة للحرب، وبالتالي فإنّ الحكومة المقبلة غير قادرة على تعديل موقفها والذهاب الى حرب، رغم التهويل الذي ستمارسه، لكنها بالتأكيد ستسعى اسرائيل لرفع مستوى الحرب الامنية والصراع الاستخباري والأهم العمليات «الصامتة»، اي العمليات التي لا تحمل بصمات اسرائيلية واضحة رغم أنّ الشكوك ستتوجّه اليها.