وضعت نتائج الانتخابات الـ22 لـ"الكنيست" الإسرائيلي، جميع الأحزاب أمام مرحلة بالغة الدقّة والتعقيد، يُتوقَّع أنْ تحمل الأيام القليلة المُقبِلة "سيناريوهات" مُتعدِّدة لها.
فلم يستطع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تصوُّر أنْ يكون خارج المشهد السياسي لتشكيل الحكومة، التي عندما فشل بتشكيلها إثر انتخابات نيسان الماضي، سارع إلى الخيار الأخير، وهو حل "الكنيست"، واللجوء إلى انتخابات جديدة، هي الثانية خلال 5 أشهر.
وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية أنّ عملية فرز الأصوات لا تزال جارية، على أنْ يتم الإعلان عن النتائج النهائية الرسمية يوم الأربعاء 25 أيلول الجاري.
لكن أظهرت نتائج الانتخابات، شبه النهائية - غير الرسمية - تصدُّر حزب "أزرق - أبيض" برئاسة بيني غانتس بـ32 مقعداً، مُتقدِّماً على "الليكود" برئاسة نتنياهو الذي نال 31 مقعداً، وحلّت "القائمة العربية المُشتركة" برئاسة أيمن عودة على 13 مقعداً، "شاس" و"إسرائيل بيتنا" 9 مقاعد لكل منهما، "يهدوت هتوراه" 8 مقاعد، "يمينا" 7 مقاعد، "العمل" 6 مقاعد و"المعسكر الديموقراطي" 5 مقاعد.
وفي ضوء هذه النتائج، فإنّ تكتُّل "اليمين - حريديم" جمع 55 مقعداً، وتكتُّل "الوسط - يسار" 43 مقعداً، "القائمة المُشتركة" 13 مقعداً و"إسرائيل بيتنا" 9 مقاعد، ما يجعل ليبرمان الكفّة التي ستُحدِّد الشخصية التي ستؤلِّف الحكومة.
"خُبث" ومَكرُ نتنياهو
نتنياهو، الذي يُمنّي النفسَ بتشكيل حكومة خامسة له، مُتباهياً بما حقّقه من إنجازات ومُكتسبات، لم يسبقه إليها أحد، ومُدركاً لهزيمته في الانتخابات، ويُحاول الإيحاء بأنّه ما زال الشخص الأقوى، وبإمكانه تشكيل حكومة كما يريد، مُستخدِماً كُلَّ الخُبثِ والمَكرِ الذي اتصف به، مُراهناً على استمالة نوّاب من حزب "أزرق - أبيض" للانضمام إلى "حكومة وحدة" برئاسته، بدلاً من التوجُّه إلى انتخابات ثالثة، مُنطلِقاً ممّا وقّع عليه مع رؤساء أحزاب اليمين في وثيقة جاء فيها: "إنّ مُرشّحنا لرئاسة الحكومة هو بنيامين نتنياهو، وسنُجري مُفاوضات ائتلافية مُشتركة، ولن يدخل أي حزب إلى أي حكومة من دون باقي الأحزاب".
وهو لا يُريد أنْ يظهر أنّه كان سبباً في التوجُّه إلى انتخابات ثالثة خلال عام، على الرُغم من أنّ تلك هي أُمنيته، لأنّ أي نتيجة فيها قد تكون أفضل من الواقع الحالي، وبما يُبعِد عنه المُحاكَمات في ملفات الفساد التي يتم التحقيق بها معه.
لذلك، لا يُستبعد أنْ يُغامِر بشن عدوانٍ على غزّة، للضغط باتجاه تشكيل حكومة طوارىء، تكون له فيها اليد الطولى.
مصافحة نتنياهو وغانتس
وسيحاول رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين العمل من أجل تشكيل "حكومة وحدة"، وتكليف مَنْ يعتقد أنّ بإمكانه تأمين أكثرية 61 صوتاً في "الكنيست"، خشية التوجّه إلى انتخابات ثالثة.
وتوسّط ريفلين، أمس (الخميس)، لمُصافحة بين نتنياهو وغانتس، خلال إحياء الذكرى السنوية الثالثة لوفاة رئيس الكيان السابق شمعون بيريز. وهي المُصافحة الأولى بينهما إثر المعركة الانتخابية القاسية، التي شن فيها نتنياهو هجوماً عنيفاً ضد غانتس.
وغمز نتنياهو إلى احتمال التناوُب بينه وبين غانتس على رئاسة الحكومة، بإشارته إلى حكومة الوحدة برئاسة شمعون بيريز ويتسحاق شامير، في العام 1986.
وقال نتنياهو: "إنّ شمعون أيّد وحدة الشعب، واتفق وشامير على التعاون من أجل قيادة إسرائيل إلى شاطئ الأمان. وإذا لم يحدث حسم في هذه الانتخابات، فإنا أدعوك، بيني، كما دعا (ريفلين): دعنا نعمل معاً هذه المرّة أيضاً من أجل جلب إسرائيل إلى شاطئ الأمان".
هذه الدعوات، شكّك فيها حزب "أبيض - أزرق"، بالإشارة إلى أنّ "نتنياهو يُثير ضجّة إعلامية وحسب"، مُلمحاً إلى أنّه "لا نرفض وجود نتنياهو كوزير في حكومة برئاسة غانتس، إذا لم تُقدّم ضده لائحة اتهام".
"السيناريوهات" المطروحة
"السيناريوهات" المطروحة هي:
- حكومة تضم تحالف "أزرق - أبيض"، "الليكود" و"إسرائيل بيتنا"، ويصل تمثيلها إلى 72 عضواً في "الكنيست"، وهو ما يُطالِب به ليبرمان - أي بإقصاء "الحريديم"، شركاء نتنياهو و"القائمة المُشتركة".
- حكومة تضم تحالف "أزرق - أبيض"، "الليكود" و"الحريديم"، وهو ما يرفضه الرجل الثاني في "أزرق - أبيض" يائير لبيد، لعداوته الحادّة مع "الحريديم".
- حكومة وحدة بين "الوسط - يسار" مع بعض أحزاب مُعسكر اليمين، ومن دون مُشاركة نتنياهو، مُراهنة على مصلحة بعض هذه الأحزاب بضمان تمثيل لها.
- حكومة يمين برئاسة نتنياهو وبالتحالف مع ليبرمان، وهذا يتطلّب خضوع شركاء نتنياهو الطبيعيين (الحريديم والصهيونية الدينية)، لشروط ليبرمان، خاصة بشأن ما يتعلّق بـ"قانون التجنيد"، وإتاحة وسائل النقل العام أيام السبت.
في غضون ذلك، أعلن غانتس عن أنّه سيقوم بإدارة مُفاوضات مدروسة نحو إقامة حكومة وحدة وطنية، قائلاً: "بعد الانتخابات التي فُرِضَتْ على دولة إسرائيل، الشعب خرج لصناديق الاقتراع، وصوّت، واتخذ قراراً واضحاً - الشعب اختار الوحدة، الشعب طلب أنْ تكون إسرائيل قبل أي شيء آخر، لن نخضع لأي إملاءات".
وقال غانتس: "سأُدير مفاوضات بمسؤولية وتقدير، حتى نصل إلى تحقيق الأفضل من أجل مواطني إسرائيل في الظروف السياسية التي طرأت. هذا الأمر سيتطلّب تصميماً والتمسُّك بمبادئنا، لن تكون هناك طرقٌ مُختصرة. الحكومة التي ستُقام تحت رئاستي يجب أنْ تكون فعّالة، وذات قدرة على تنفيذ الإنجازات والنتائج الحقيقية".
جاء كلام غانتس ردّاً على دعوة نتنياهو له من أجل "الاجتماع معه لمُناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة".
وقد اعترف نتنياهو بفشله في تحقيق فوز في الانتخابات، قائلاً: "خلال الانتخابات دعوتُ إلى تشكيل حكومة يمين، لكن لأسفي، تُظهِر نتائج الانتخابات أنّ هذا ليس ممكناً. والشعب لم يحسم بين المُعسكرين. لذلك لا مفر سوى بتشكيل "حكومة وحدة"، واسعة قدر الإمكان، ومُؤلّفة من جميع الجهات التي تعز عليها دولة إسرائيل".
وأضاف: "الآن أنا أدعوك، عضو الكنيست بيني غانتس. بيني، علينا تشكيل "حكومة وحدة" واسعة، واليوم الشعب يتوقّع منّا، من كلانا، إبداء مسؤولية، وأنْ نتعاون. لذلك أنا أدعوك، بيني، دعنا نلتقي، في أي ساعة وأي وقت، من أجل تحريك هذه الخطوة، وهي ضرورية الآن. يحظر علينا، ولا يوجد أي سبب للوصول إلى انتخابات ثالثة، وأنا أعارض ذلك. الخطوة المُلحّة هي حكومة وحدة واسعة، بدءاً من اليوم".
كما جاء التأكيد أيضاً من حزب "أزرق - أبيض" بأنّ حزبهم هو الحزب الأكبر، و"ينبغي أن يُشكِّل غانتس "حكومة وحدة" واسعة، وأن يكون رئيسها".
فيما أكدت رئيسة حزب "إلى اليمين" أييليت شاكيد، 7 مقاعد، أنّ حزبها "لم يُوافِق بعد على أن يكون جزءاً من كتلة "اليمين" لأغراض المفاوضات التي صرّح عنها نتنياهو، الذي طلب أنْ تكون جميع أحزاب اليمين في كتلة واحدة، ونحن بحاجة للتفكير في هذا الأمر بناء على التطوّرات السياسية".
وقالت: "إنّ أحداً من بين الأطراف يجب ألا يلتزم بتعهّداته تجاه الجمهور لتجنّب التوجّه إلى انتخابات ثالثة"، مُشيرة إلى أنّها لا تُعارض ضم "كاحول لافان" أو عمير بيرتس (حزب العمل) أو ليبرمان (إسرائيل بيتنا).
عباس وغرينبلات
من جهته، أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال زيارة إلى أوسلو، رفض "حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة نتنياهو.
وقال الرئيس عباس للصحافيين ردّاً على سؤال بشأن أي حكومة إسرائيلية مُقبلة يُفضّل: "موقفنا هو: ضدّ نتنياهو".
في غضون ذلك، وصل المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي استقال من منصبه مُؤخّراً، إلى الكيان الإسرائيلي، والتقى نتنياهو وغانتس، من أجل التباحث معهما حول "صفقة القرن".
وبحث في ما إذا كان التوقيت الحالي، بعد انتخابات "الكنيست"، وقبل تشكيل الحكومة، مُلائماً لنشر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث تدرس الإدارة الأميركية نشر الخطة قبل تشكيل الحكومة، بهدف التأثير على المفاوضات الائتلافية، وضمان الموافقة من أجل نشرها.