لم تكن الأزمة الإقتصادية في لبنان وليدة عامل وحيد. ليست العقوبات الأميركية وحدها هي السبب، ولا الفساد، او الهدر، أو ضعف الإيرادات، أو إنعدام فرص العمل، أو عدم وجود رؤية حكومية واضحة، أو الأزمات السياسية المتلاحقة، بل كل تلك العوامل أنتجت واقعاً إقتصادياً معيشياً صعباً.
يمكن أن تلمس أنين المواطنين في مطلع فصل الخريف، خلال إستحقاقات مواسم المدارس والمونة والمحروقات، وتزايد المصاريف اليومية، وجفاف المداخيل التي إعتاد عليها اللبنانيون في العقود الماضية.
صحيح أن وزير السياحة اواديس كيدانيان تحدث عن ثمرة جهود وزارته في جذب مليون ونصف المليون سائح تقريباً، لكن ليس بمليوني سائح وحدهم ينهض الإقتصاد في لبنان، لأن الإيرادات معدومة في عزّ تدفق العملات الصعبة من الداخل الى الخارج، وهنا مكمن جوهري من مكامن الازمة المالية التي تُفقد الدولار من التداول فيرتفع سعره في السوق السوداء، رغم كل تدخلات مصرف لبنان. فاللبنانيون يدفعون الى خادمات المنازل عشرات ملايين الدولارات سنويا تذهب جميعها الى دول آسيوية وافريقية. وكل قطاع النفط والمحروقات والإلكترونيات والمواد الغذائية المستوردة يدفع لبنان اثمانها عملة صعبة.
بحسب الارقام الرسمية فإن لبنان يستورد من الخارج منتوجات بقيمة ٢٠ مليار دولار، بينما يصدّر بقيمة ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار سنوياً.
واذا كان الإقتصاد الإنتاجي هو المطلوب كأساس للحل، بإعتباره يخفف الطلب على الدولار، فإن الإقتصاد المُدَوْلَر مرتبط بالإستيراد يجفف الاموال الصعبة. لذلك، يسعى سياسيون لطرح برامج قائمة على قواعد الإنتاج، رغم ان الصدى الإيجابي للخطوة لن يحل سريعا، في ظل عدم إهتمام رسمي لبناني بالزراعة والصناعة والمؤسسات الإنتاجية التي تؤدي الى إستيعاب العاطلين عن العمل وخريجي الجامعات. ومن هنا يطرح آخرون حلولا نقدية سريعة، لكنهم يصطدمون بوقائع صعبة اساسها هو ارتفاع الفوائد الماليّة التي تساهم في الركود.
يضع السياسيون أسبابا جوهرية يعتبرونها تساهم في ضرب الواقع الإقتصادي والمالي في البلد، بعد فرض عقوبات ماليّة على قطاعات وقوى سياسية، اضافة الى تراجع الأموال الآتية من المغتربين بسبب التضييق الحاصل على التحويلات المالية.
يترسخ التدهور الإقتصادي داخليا ايضا في ظل الفساد القائم في قطاعات الدولة من خلال السمسرات وتهريب البضائع وعدم دفع الواجبات الجمركية، رغم كل إجراءات وزارة المالية.
فالمحاسبة تقتصر على جزء بسيط من المتورطين دون المستوى المطلوب. تضيع المساءلة عند زواريب الحسابات الطائفية والمحسوبيات السياسية، فيقع المواطن ضحية تلك المعادلة القاتلة.
فما هو الحل؟ حتى الآن لم يلمس سياسيون وإقتصاديون جدية في تنفيذ مقررات مؤتمر بعبدا الإقتصادي، مما يعني ان قرار الإنقاذ سياسي، لا يتوقف عند عنوان واحد، ولا موضوع بسيط. ويقول معنيون ان المعالجة تبدأ بالقطاعات الكبرى، بداية من الكهرباء في تعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة والتعامل في موضوع استيراد النفط من دولة الى دولة، لا عبر شركات ووسطاء.
يبدو ان صرخة المواطن وحدها ستحرك السياسيين، بعدما عجزت كل العوامل الأخرى عن فرض ذلك. فهل يكون الشارع هو الخطوة الأخيرة؟ يبدو الأمر جديا للتوجه الى الشارع.