حمل الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، خلال الاحتفال التأبيني الذي أقامه الحزب للعلامة الراحل الشيخ حسين كوراني، الكثير من الرسائل البارزة، نظراً إلى تشعب الأحداث، التي شهدتها الساحتين المحلية والخليجية الاخيرة في الفترة الفاصلة عن خطابه السياسي السابق.
وفي حين كان لافتاً الموقف من ملف العملاء، لا سيما بعد توقيف العميل عامر الفاخوري، بالإضافة إلى الرسالة التي وجهها إلى النازحين من منطقة القصير السورية، كان لافتاً تغييب السيد نصرالله ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بالرغم من الاتهام الجديد الذي وجه إلى سليم عياش، في مؤشر يؤكد أن الحزب يتعاطى معها وكأنها غير موجودة.
في هذا السياق، كان من الواضح أن أمين عام "حزب الله" أراد الحسم في الموقف من العملاء، نظراً إلى الانتقادات الكثيرة التي وجهت له، في الفترة السابقة، انطلاقاً من التفاهم الموقّع مع "التيار الوطني الحر"، حيث رفض مصطلح "المبعدين"، الذي يستخدم من قبل التيار، وشدد على ان هناك "فارين"، معتبراً أن على "الفار" من البلاد تسليم نفسه إلى السلطات اللبنانية إذا أراد العودة، في مؤشر إلى أن الحزب عاد إلى التشدد في هذا الملف، بعد أن شعر بأن هناك تراخياً في التعامل معه مما شجع الفاخوري على العودة إلى لبنان.
وفي حين من الممكن ربط هذا التشدد بالأجواء التي سادت في أوساط جمهور المقاومة في الأيام الماضية، يبدو أن الحزب ماض في الإجراءات التي تم الكشف عنها مؤخراً، لناحية سد الثغرات التي ظهرت، خصوصاً على المستوى القانوني لجهة سقوط الأحكام بتقادم الزمن، من دون أن ينسى التذكير بمعادلة التمييز بين العملاء وعائلاتهم، التي التزم بها الحزب خلال مرحلة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
بالتزامن، أعاد أمين عام "حزب الله" التذكير بالمعادلة الجديدة مع الجانب الإسرائيلي، حيث أكد أن قرار مواجهة المسيّرات كان له التأثير الواضح على عدد الخروقات، مشدداً على أن هذه بداية مسار والعمل في هذا المجال متواصل، من دون أن ينسى التطرق إلى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، مشيراً إلى فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الحصول على الأغلبيّة لتشكيل الحكومة، في مقابل عدم اهتمام الحزب بالجهة الفائزة في الانتخابات، بعد أن وصف السيد نصرالله بسبب الأحداث التي تلت الاعتداء على الضاحية الجنوبية بأنه الناخب الأول فيها، نظراً إلى أن العدوانية واحدة مهما كانت التشكيلة الحكوميّة.
من ناحية أخرى، برزت الرسالة التي وجهها السيد نصرالله إلى النازحين السوريين من منطقة القصير، التي من المفترض أن تفتح الباب على تحول كبير في هذا الملف إذا ما تم التعامل معه بالإيجابية المطلوبة، في ظل الاتهامات التي كانت توجه بأن وجود الحزب في هذه المنطقة هو الذي يحول دون عودة هؤلاء النازحين، حيث أكد أن الحزب رتب وضعه في القصير بما يتناسب مع عودة كاملة لأهالي المدينة، والتنسيق قائم مع الحكومة السورية لتأمين ذلك، نافياً ما تردد في السنوات السابقة عن تغيير ديمغرافي في سوريا.
في هذا الإطار، قد يكون من الضروري أن تلعب الجهات الرسمية اللبنانية الدور اللازم، خصوصاً أن أمين عام "حزب الله" كان قد طلب من الراغبين في العودة التوجه مباشرة إلى مراكز الأمن العام لتسجيل أسمائهم، لكن هذه الرسالة تفتح الباب للسؤال عن إعادة تموضع الحزب في سوريا، في ظل تراجع العمليات العسكرية هناك، بعد نجح الجيش السوري في استعادة السيطرة على معظم المناطق التي كانت في يد الجماعات المسلحة.
من جهة ثانية، لم يغب السيد نصرالله عن الأحداث الأبرز على الساحة الإقليمية، المتمثلة بالهجوم الذي شنته حركة "أنصار الله" على منشأتي أرامكو في بقيق وخريص في السعودية، ناصحاً الرياض وأبو ظبي بالذهاب إلى خيار وقف الحرب في اليمن، لأنه الأقل كلفة لحماية منشآتهما، فيما خيار المنظومات الدفاعية الجوية لا يجدي نفعاً في مواجهة المسيّرات ومكلف جداً، موجهاً تهديداً مبطناً بالإشارة إلى أن هذا الهجوم وحده كان كافياً لوقف نصف انتاج النفط السعودي.
في المحصلة، كان خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" شاملاً لأبرز الملفات الساخنة، لكن الأكيد أنه كغيره من الخطابات سيكون محل أخذ ورد في الأيام المقبلة، لا سيما على مستوى الموقف من العملاء والرسالة إلى النازحين من القصير، من دون تجاهل عامل اللاموقف من تطورات المحكمة الدولية.