على ضوء التحولات التي يشهدها المغرب العربي، عادت مصر إلى الواجهة من جديد، على ضوء التحركات التي شهدتها في نهاية الاسبوع الفائت، من دون أن يتضح حجمها أو المدى الذي قد تذهب إليه، لكن على ما يبدو هي لا تنفصل عن التطورات التي يشهدها المحيط، من الجزائر والسودان وصولاً إلى تونس، التي قررت معاقبة الأحزاب السياسية الفاعلة في التصويت بالإنتخابات الرئاسية، حيث وصل إلى الدورة الثانية من التصويت مرشحين من خارج التركيبة الحاكمة.
في هذا السياق، ينبغي العودة إلى الوراء بعض الشيء، حيث لم تكتف الجماهير المصرية في إسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، لتعود بعد ذلك إلى إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي، ليصار بعد ذلك إلى إنتخاب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي إستطاع السيطرة على الأوضاع بالرغم من كل الإنتقادات التي توجّه له، سواء لناحية القبضة الأمنيّة التي يحكم بها أو الإتهامات بالفساد التي توجه له.
ضمن هذا الإطار، جاءت التحرّكات الأخيرة التي شهدتها العديد من المدن المصريّة، على خلفيّة إتهامات وجّهها أحد رجال الأعمال الذين كانوا في دائرة الحكم محمد علي، بالرغم من أنّ كل المعطيات تؤكّد بأن علي لا يمكن القول أنه القائد أو المحرك لهذه التحركات، بل هي تأتي رداً على الأوضاع السائدة في البلاد، لا سيما على المستوى الإقتصادي والإجتماعي، إلا أنّ اللافت هو مسارعة العديد من القوى الإقليمية، لا سيما الإمارات العربية المتحدة، إلى إعلان تضامنها مع السيسي، في حين وجهت الإتهامات إلى قطر، عبر قناة "الجزيرة"، بالوقوف وراء التحريض على التظاهر، وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية المصريّة سامح شكري.
إنطلاقاً مما حصل مع مبارك وبعد ذلك مع مرسي، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لدى الحديث عن إحتمال حصول أيّ تطور على مستوى السلطة في مصر، يتعلق بموقف المؤسسة العسكرية، التي كانت الدافع الأساسي إلى إسقاط الرئيسين السابقين، وبالتالي هي لا يمكن أن تكون بعيدة عن المشهد السياسي بأي شكل من الأشكال، لكن في بعض الأوساط حديث عن سيناريوهين: الأول يعتبر أن القيادات العسكرية لا تتحرك إلا بناء على تحرك شعبي كبير، وبالتالي هي تنتظر تحرك الشارع أولاً، أما الثاني فيرى أن أي تحرك جديد لا يمكن أن تكون تلك القيادات بعيدة عنه، في إطار الصراع مع السيسي نفسه.
بناء على ما تقدم، لا يمكن الجزم بحقيقة الأوضاع على الساحة المصريّة ولا بالمسار الذي قد تسلكه الأحداث في المستقبل القريب أو البعيد، نظراً إلى حالة الغموض التامّ التي تسيطر على المشهد، لكن الأكيد أن الرئيس المصري لم يعد يستطيع الركون إلى القدرة على السيطرة بشكل كامل، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تخرج فيها تظاهرات الى الشارع، بغض النظر عن حجمها، تطالب السيسي بالرحيل، كما أنه لا يمكن أن يوجه الإتهامات بوقوف حركة "الإخوان المسلمين" خلف ما يحصل، نظراً إلى أن التراجع الكبير في قوّتها الشعبيّة في السنوات الماضية، بالإضافة إلى وجود قادتها خارج البلاد.
في المحصلة، هناك حقيقتين في ظل الأجواء الإيجابية التي تسيطر على المشهد المصري اليوم، الأولى تكمن بأن المحرّك الأساسي لما يحصل في الشارع هو الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، أما الثانية فإن أي تغيير لن يبصر النور ما لم يحظَ بدعم من المؤسسة العسكريّة، كما حصل لدى إسقاط مبارك ومرسي سابقاً.