في شهر آب من العام 2018، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يواجه مخاطر "عزله" من منصبه قبل إنتهاء ولايته، الأمر الذي دفعه إلى التحذير من إنهيار الإقتصاد في بلاده، في حال البدء بالإجراءات العمليّة لهذه الخطوة. أما الأسباب الرئيسيّة لتلك المخاطر، فكانت تعود إلى إدانة مدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت بالاحتيال، واعتراف محاميه الشخصي السابق مايكل كوهين بخرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية.
اليوم، عادت هذه المخاطر إلى الواجهة من جديد، بعد أن أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، فتح تحقيق رسمي بهدف عزل ترامب، المشتبه بانتهاكه الدستور عبر السعي إلى الحصول على مساعدة دولة أجنبيّة لإيذاء خصمه الديموقراطي جو بايدن، إلا أن ردّ الرئيس الأميركي هذه المرّة كان مختلفاً، حيث اعتبر أن هذا الأمر سيكون "إيجابياً" لإعادة انتخابه، واصفاً مساعي الديمقراطيين بـ"مطاردة الساحرات".
في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن "عزل" الرئيس في الولايات المتحدة، بحسب ما ينصّ الدستور، يحتاج إلى إدانته بالخيانة أو الرشوة أو جرائم كبرى أخرى أو جنح، إلا أن ذلك يتطلّب التصويت بالأغلبيّة في مجلس النواب، وأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، الأمر غير المتوفر نظراً إلى أن التحقيق يحظى بدعم كبير من الديمقراطيين في مجلس النواب، بأكثر من 145 عضوا من بين 235 عضوا، ولكن من غير المرجح أن يتم تمريره في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
على هذا الصعيد، يعتبر السفير اللبناني السابق في الولايات المتحدة رياض طبارة، في حديث لـ"النشرة"، أن الرئيس الأميركي قلق من الوضع الحالي، بالرغم من المواقف التي يعلنها، ويشير إلى أن مسألة محاسبة ترامب تتفاعل منذ فترة طويلة، لكن لم يكن هناك من قرار فعلي بالذهاب إلى التحقيق، الذي كان ينتظر موقف رئيسة مجلس النواب، ويعتبر أن تحرك بيلوسي يعود إلى ضغط الشخصيات التي كانت متردّدة في السابق بالذهاب إلى هذه الخطوة.
من جانبه، يوضح الصحافي في صحيفة "صدى الوطن" الأميركيّة علي منصور، في حديث لـ"النشرة"، أنّ التحقيق في الملفّ الروسي كان واضح جداً، وبالتالي فيما لو ثبتت الإتهامات التي كانت موجهة إلى ترامب كان من المؤكد أن الوضع سيكون محرجاً بالنسبة له، وأيضاً للحزب الجمهوري، لا سيما أنّ مولر ينتمي إلى الحزب نفسه وكذلك أيضاً فريق المحققين، بينما القضية اليوم واضحة وهي تتعلق بملف واحد، إلا أن هذا لا يعني أن الرئيس الأميركي ليس قلقاً.
ويوضح طبارة أن الذهاب إلى التحقيق لا يعني "عزل" ترامب، نظراً إلى أن المحاكمة تحصل في مجلس الشيوخ، حيث الأغلبية الساحقة من الجمهوريين، وبالتالي فان المتوقع اعتبار هذا المجلس للرئيس الأميركي بغير المذنب، ما يعني تكرار ما حصل مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون، أي فتح التحقيق من مجلس النواب من دون الوصول إلى قرار "العزل" في مجلس الشيوخ.
ويشير منصور إلى أن التحقيق هو سلاح ذو حدين، نظراً إلى أنه في حال الفشل في إثبات التهم الموجّهة إلى ترامب سيكون الأمر بمثابة صفعة للحزب الديمقراطي، بينما فيما لو كشفت المحادثات، التي يُطالب ترامب بها، أنه ارتكب خطأ ما فإن الحزب الجمهوري سيكون محرجاً، لا سيما أن الولايات المتحدة باتت على أبواب الإنتخابات الرئاسيّة، لكنه يلفت إلى أن الرئيس يحاول مرة جديدة إستغلال الأمر، ويذكر بأن كلينتون إستفاد مما حصل معه سابقاً، حيث ارتفعت شعبيته من 60 إلى 73%.
من وجهة نظر طبارة، ما تقدّم لا يعني أنّ فتح التحقيق لن يكون من دون أيّ تداعيات خطيرة، نظراً إلى أن أغلب الأجهزة الرسميّة ستكون مسخّرة في هذا التحقيق، مع احتمال الكشف عن المزيد من الملفات التي تدين ترامب، الأمر الذي سيكون له تداعيات على الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة في العام 2020، لا سيما أن مجلس النواب، الذي يمثل الشعب الأميركي، يعتبر أن الرئيس مخالف للدستور.
وعلى الرغم من أن الديمقراطيين يمثلون الأغلبية في مجلس النواب، يشدد منصور على أن التصويت لصالح فتح التحقيق مع ترامب في المجلس ليس أمراً محسوماً، نظراً إلى أن الأكثرية التي يمتلكها الحزب ليست كبيرة، وبعض الديمقراطيين سابقاً لم يفضلوا الذهاب إلى هذا الخيار، حتى بيلوسي نفسها، لكن اليوم الوضع مختلف، وهناك ضغوطاً كبيرة مورست من جانب الجناح التقدمي في الحزب.
في المحصّلة، الأمور متوقّفة عند ما سيحصل في مجلس النوّاب أولاً، وفي حال نجاح الديمقراطيين تمرير قرار بالتحقيق مع ترامب، ستشهد الولايات المتحدة أشهرا طويلة من الإثارة، بالرغم من أن النتيجة في مجلس الشيوخ، الذي سيكون بمثابة المحكمة، شبه محسومة، وسيعمل الحزبين على إستغلالها إلى أبعد حدود، مع العلم أن الرئيس الأميركي نجح في إستغلال هذا الأمر في الإنتخابات النصفيّة.