يطرح حجم العمالة الأجنبيّة في لبنان الكثير من علامات الإستفهام حوله، لا سيما بالنسبة إلى بلد يعاني من أزمة إقتصادية كبيرة، ترتفع بالتزامن معها نسبة البطالة إلى حدود غير مسبوقة، الأمر الذي يتطلب معالجات جذريّة، خصوصاً بالنسبة إلى تشجيع إستخدام اليد العاملة المحلية.
الكثير من الأسباب دفعت أصحاب العمل، على مدى السنوات السابقة، إلى تفضيل العامل الأجنبي على اللبناني، لكن لهذا السلوك العديد من التداعيات السلبية، أبرزها على مستوى خروج العملات الأجنبية من الأسواق المحلية، نتيجة التحويلات التي يقوم بها هؤلاء العمال إلى بلادهم، بالتزامن مع خسائر أخرى مرتبطة بعدم دفع الضرائب المتوجّبة على ذلك، والناجمة عن التراخي في تطبيق القوانين المرعية الإجراء.
في هذا السياق، يتحدث الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لـ"النشرة"، عن 3 أنواع من العمالة الأجنبية في لبنان: الأولى هي العمالة السورية، الثانية هي العمالة الفلسطينية، الثالثة التي تشمل مختلف الجنسيات الأخرى، ويلفت إلى أن ليست كل العمالة الأجنبية توضع في الخانة السلبية، لكن في الأماكن التي تنافس فيها العمالة اللبنانية أو لا تساهم في الدورة الإقتصاديّة المحليّة هناك مشكلة كبيرة.
ويوضح شمس الدين أن العمالة السورية في القطاعات التي لا يعمل فيها اللبناني، مثل قطاع البناء على سبيل المثال، لا تعتبر مشكلة، نظراً إلى أن وقفها يعني تضرر هذا القطاع، لكن في المقابل عندما تكون في القطاعات التي تنافس فيها اليد العاملة اللبنانية، مثل قطاع الخدمات على سبيل المثال، فهناك أزمة متعددة الجوانب، ويشير إلى أن العمالة الفلسطينيّة هي الأقل ضرراً، نظراً إلى أن الفلسطيني مقيم في لبنان ويصرف ما يجنيه في الأسواق المحليّة.
بالنسبة إلى النوع الثالث من العمالة الأجنبيّة، يتحدث شمس الدين عن أزمة كبيرة، حيث تقدر الأرقام بنحو 400 ألف عامل: 270 ألف شرعيين يملكون إجازات عمل وإقامات، 130 ألف غير شرعيين، ويعتبر أن هؤلاء يمثلون نزيفاً للإقتصاد الوطني، خصوصاً على مستوى العاملات في المنازل، نظراً إلى أنهن لا يعملن في قطاعات منتجة، كما يعمدن إلى تحويل المبالغ التي يحصلن عليها إلى الخارج، والتي يقدرها بأكثر من مليار دولار أميركي سنوياً.
من وجهة الباحث في الدولية للمعلومات، هذه الأزمة تتطلّب معالجة جدّية على أكثر من مستوى، أبرزها التغيير في العقلية اللبنانيّة السائدة، خصوصاً على مستوى وجود عاملات أجنبيات في أغلب المنازل، ويعتبر أن الحل قد يكون بفرض رسوم مرتفعة، تدفع بالكثيرين إلى العدول عن هذا التصرف، للحد من هذه الظاهرة على الأقل.
في هذا السياق، تؤكد مصادر رسمية، عبر "النشرة"، أن المبالغ التي تخرج من لبنان بسبب العمالة الأجنبية تقارب الملياري دولار سنوياً، النسبة الأكبر منها تعود إلى العاملين في الخدمة المنزلية، الذين يحولون كامل رواتبهم إلى ذويهم في موطنهم الأصلي، بينما تتولى العائلات التي يعملون لديها كامل مصاريفهم، وتضيف: "هذا الأمر يشكل جزءاً أساسياً من أزمة تسرب الأموال إلى الخارج".
في المحصّلة، يُعدّ تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان أكثر من ضرورة، نظراً إلى التداعيات التي تترتّب على ذلك، لا سيما أن هناك إجراءات من الممكن القيام بها بسهولة، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.