نال ملف نقل اعتماد من بند الى آخر في وزارة الشؤون الاجتماعية الكثير من الاخذ والرد في الساعات الماضية، خصوصا أن الاموال نُقلت من بند "الإسكان" الى بند جمعيات الرعاية، الامر الذي يبدو وكأنه "يقفل احتمال عودة قروض الإسكان، لصالح تمويل بعض الجمعيات". حسنا لنعد بالذاكرة الى الوراء قليلا، وتحديدا الى تاريخ 17 حزيران ولنبدأ من هناك.
في وسط بيروت، أمام المجلس النيابي، تجمّع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتوزيع الورود البيضاء على النواب، لحثّهم على الموافقة على زيادة الدعم المالي للجمعيات التي تهتم بهم وعدم خفض موازنتهم، خصوصا أنّ الدولة لم تسدّد مستحقات العام 2018 حتى، فدقّت الجمعيات ناقوس الخطر، متحدثة عن إفلاس وشيك يجعل 9200 طفلا على شفير التشرّد، في بلد تخلى عن 90 بالمئة من واجباته الرعائيّة لصالح جمعيّات، نعرفها جميعا بالأسماء والعناوين.
نفعت الورود، وتصريحات الأطفال، ففي 26 حزيران أقرت لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي بحضور رئيسها ابراهيم كنعان والنواب الأعضاء، والوزراء، علي حسن خليل، ريشارد قيومجيان، ووائل أبو فاعور، موازنتي وزارتي الصناعة والشؤون الإجتماعية، وأقرّت بند الإسكان البالغ 100 مليار ليرة لبنانية، وأكدت دعم جمعيات الرعاية الفعلية، بما يتناسب مع حاجاتها الإنسانية، وطلبت تدقيقاً شاملاً في كل الوزارات والإدارات بمساهمات الجمعيات الأخرى، ورفعت توصية في هذا الخصوص للمجلس النيابي.
في 19 تموز، أقرّ مجلس النواب خلال دراسته بنود الموازنة والتصويت عليها، توصية لجنة المال والموازنة بتعديل موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية وزيادة مبلغ 35 مليار ليرة لتمويل مؤسسات الرعاية الاجتماعية كما ورد في اقتراح قيومجيان، وذلك بنقل اعتماد من بند الى آخر ضمن موازنة الشؤون، على أن يضاف هذا المبلغ على موازنة العام 2020، والسبب هو عدم إمكانيّة زيادة موازنة الوزارة الا بنقل الاعتماد بالشكل الّذي تمّ فيه.
بعد عمل لجنة المال، وإقرار التوصية في الهيئة العامة للمجلس لم يبقَ سوى التنفيذ، فكان اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من عضو كتلة "التحرير والتنمية" ياسين جابر والموقّع من 9 نواب آخرين، وإقراره في جلسة المجلس النيابي الاخيرة، من خارج جدول الاعمال، حيث يحتوي القانون على شرح مفصّل لأحوال جمعيات الرعاية وما تحتاجه من اموال، ونسب مساهمات الدولة.
لا يريد مدير عام مؤسسة الإسكان روني لحود التعليق مطلقا، معتبرا في اتصال مع "النشرة" أن مجلس النواب اللبناني أقرّ قانونا وما عليه سوى تنفيذه، ولكن مصادر مطلعة على طريقة عمل المؤسسة عبرت لـ"النشرة" عن أسفها من القانون، معتبرة أنه سيزيد من قيمة الدفعات التي يدفعها من نال قروض إسكان سابقا لانّ المؤسّسة لن تكون قادرة على تغطية قيمة الفوائد التي يُفترض فيها تغطيتها.
ولكن بالمقابل تحدث عن هذا الامر، النائب جابر، ووزير الشؤون، الذي علمت "النشرة" نيته عقد مؤتمر صحافي اليوم لتوضيح كل النقاط الغامضة، ولكن كل هذا لا يعني بعد عرض الحقائق ألاّ نطرح أسئلة عديدة حول كيفية تعاطي النواب مع القانون، وحملات المزايدات التي برزت، بشكل اوحى وكأن المواطن هو الذي أقرهّ.
لماذا تدخل السياسة في كل الملفّات... وما ذنب الشعب إن كانت الثّقة بالمسؤولين معدومة، وبات التساؤل حول مصير الاموال مشروعا؟.
ننتظر لتحديد الضرر الذي يطال مؤسسة الإسكان من جراء نقل الأموال، ولكن ولو حصل الضرر فهل سيكون موازيًا لضرر تشرد آلاف الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة؟ وهل نقل الأموال هذا هو سبب وقف قروض الإسكان؟ أم أنّ عدم الاتفاق بين المصارف ومصرف لبنان هو حول نسب الفائدة؟
نعم هناك مشكلة مزمنة في إدارة الدولة، ولكن الحل لا يمكن أن يكون على حساب الاطفال والمرضى، فهل يتقبّل عقل بأن يكون المصروف اليومي للمريض في احدى دور الرعاية، والذي يتضمن الطبابة والطعام والنوم، هو 11 الف ليرة فقط؟.