شكلت زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بيلينغسلي إلى لبنان والتصريحات التي أطلقها على اثر لقاءاته، لا سيما بعد اجتماعه مع جمعية المصارف.. دليلاً لا يرقى إليه الشك بأنّ الولايات المتحدة ومسؤوليها الذين يأتون إلى لبنان يتصرفون على اساس أنّ لبنان تابع لأميركا وينفذ تعليماتها من دون نقاش.. على انّ وزير الخزانة الأميركي تصرّف في زيارته وكأنه مفوّض سامي يذكر اللبنانيون بمرحلة المندوب السامي الفرنسي الذي كان يحكم لبنان ويفرض مشيئته الاستعمارية على المسؤولين اللبنانيين.. بل أنه يتولى مكافأة من يطيعه وينفذ تعليماته من دون نقاش او تردّد ويعاقب من يمتنع او يتردّد في ذلك..
فالوزير بيلينغسلي يمدح جمعية المصارف على التزامها تعليمات وزارة الخزانة الأميركية بفرض إجراءات صارمة في مراقبة التحويلات المالية وفق دفتر شروط يحظر ايّ تحويلات سواء من أشخاص محسوبين على المقاومة أو مناصرين أو مؤيدين لدورها التحرّري في مقاومة الاحتلال الصهيوني وحماية لبنان من الاعتداءات والأطماع الصهيونية.. ولم يخف الوزير الأميركي هدفه بأنه جاء لخنق المقاومة ومعاقبة من يدعمها بالمال والسلاح.. وهذا يعني بصريح العبارة خدمة مباشرة لكيان العدو الصهيوني.. وهو جزء من الحرب الصهيونية الأميركية المستمرة ضدّ المقاومة في محاولة يائسة للانتقام منها على إلحاقها الهزيمة بجيش الاحتلال الصهيوني عام 2006 وتحطيم أسطورته وإذلاله وتدمير معنويات جنوده..
فهدف الحصار الأميركي.. وليس العقوبات بمفهومه.. خنق المقاومة وتجفيف منابع تمويلها ودعمها لإضعافها ومحاولة تأليب اللبنانيين ضدّها عبر دفعهم إلى تحميلها مسؤولية ما يتعرّضون له من حصار، وبالتالي ضغط للتوقف عن المقاومة وصولاً إلى عزل المقاومة عن بيئتها الشعبية واستطراداً االعمل على نزع سلاحها لا سيما الصواريخ الدقيقة التي تؤرق كيان العدو وتردع عدوانيته وتشلّ قدرته على شنّ الحرب على لبنان..
من هذا المنطلق يصبح ايّ تعاون في تنفيذ الأوامر الأميركية وتسهيل تطبيق إجراءات الحصار على اللبنانيين الذين يدعمون او يؤيدون مقاومتهم التي حرّرت لهم أرضهم وجعلت من بلدهم قوة يُحسب لها الحساب.. وحققت لهم العزة والكرامة.. وباتت تحمي أمنهم واستقرارهم وثرواتهم من الاستباحة الصهيونية.. يصبح ايّ تعاون مع الأميركي ضدّ المقاومة تحت ايّ عنوان كان بمثابة تواطؤ وإذعان واستسلام للوصاية الأميركية.. وبالتالي تفريط بالسيادة والاستقلال.. وقبل كلّ ذلك مساعدة أعداء لبنان على النيل من المقاومة.. على أنها إرهاب وفق التوصيف الأميركي الصهيوني.. على انّ التسليم والإذعان للإملاءات الأميركية على هذا النحو المذلّ والمهين للسيادة والكرامة الوطنية.. من دون حتى تبيان ما إذا كانت الإجراءات التي يجري تنفيذها ضدّ بنك الجمال او ايّ بنك آخر يوضع على لائحة الاستهداف الأميركي.. بتهمة تبييض أموال وإيصال الدعم للمقاومة صحيحة أم باطلة من أساسها وتقوم على اتهامات من دون أدلة.. كما حصل مع البنك اللبناني الكندي قبل ثماني سنوات عندما تمّت تصفيته وبيعه والاستيلاء على أمواله انطلاقاً من اتهامات ورضوخ للأمر الأميركي.. وتبيّن اليوم أنّ هذه الاتهامات التي جرى الاستناد إليها كانت غير صحيحة.. فماذا ينفع لبنان والبنك الذي تمّت تصفيته أن يُقال له ذلك بعد ثماني سنوات.. أليس حتى من باب القانون وحفظ حقوق اللبنانيين ومنع تكرار جريمة أخرى بحق بنك او بنوك لبنانية أخرى.. ان يجري التأكّد قانونياً من قبل القضاء اللبناني من صحة الاتهامات التي تسوقها واشنطن قبل أن يتبرّع البعض ممن امتهن تقديم الخدمات المجانية للأميركي والإذعان لتعليماته باعتبارها منزلة لا يمكن مناقشتها..
انّ المسؤولية في السماح بهذه الاستباحة الأميركية للسيادة اللبنانية والسماح للوزير الأميركي بإعطاء التعليمات للمصارف اللبنانية والتصريح بطريقة تشكل اعتداء سافراً على المقاومة التي يعترف البيان الوزاري بشرعيتها.. انّ المسؤولية في ذلك إنما تقع على عاتق الحكومة اولاً وأخيراً باعتبارها السلطة المعنية بالتصدي لأيّ انتهاك او اعتداء على السيادة الوطنية.. ويصبح بالتالي السؤال المطروح.. لماذا صمتت الحكومة على هذه الاستباحة الأميركية لسيادة لبنان.. وكيف تسمح لوزير أميركي أن يراقب ويدقق في عمل المصارف اللبنانية.. وكيف بالتالي لا تردّ على تصريحاته المعادية ضدّ المقاومة.. وتعمل على حماية وحفظ حقوق وأموال المواطنين..
انّ ما تقدّم يؤكد أنّ لبنان خاضع للاستعمار المالي الأميركي على حدّ قول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.. وانّ الأولوية الوطنية تقتضي العمل على التصدي لهذا الاستعمار والعمل على تحرير لبنان منه وتحقيق السيادة والكرامة الوطنية.. تماماً كما تمّت مقاومة الاحتلال الصهيوني وتحرير معظم الأرض اللبنانية في الجنوب.. انّ النضال في سييل تحقيق ذلك إنما يشكل أيضاً احتراماً وتقديراً للمقاومة وتضحياتها التي حرّرت الأرض وصنعت مجد لبنان ورفعت رأسه عالياً…