مِن نَتائج "الإِعْلام السَّلْبيِّ"، في ظلِّ تَطوُّر الإِعْلام المُعاصر، إِضْعاف روح "المُواطَنَة". وإِذا كان دور وسائِل الإِعْلام في أَيِّ بيئةٍ مُجْتمعيَّةٍ يتحدَّد بالأَثر الَّذي تَسْتطيع أَنْ تُحْدثه فيها، فمِن المُمْكن أَنْ نُقسِّم وسائل الإِعْلام، باعْتِبار تَأْثيرها في المُجْتمعات إِلى اتِّجاهَين اثْنَين: سلبيٍّ وإِيْجابيٍّ، بحسب الهَدف الَّذي يَسْعى إِليه القائِمون على وسائِل الإِعْلام، ومدى الوعي لأَهميَّة مِهْنتهم وخُطورتها في آنٍ...
وفي شكلٍ عامٍّ، فإِنَّ وسائل الإِعْلام ذات التَّأْثير السَّلْبي غير مَعْنيَّةٍ بما تُقدِّمه إِلى المُجْتمع وأَفْراده، كما وأَنَّها لا تَقوم بأَكْثر من التَّوصيل، ولكن مِن دون أُسسٍ واضِحةٍ، وبلا مَعْرفةٍ، وإِلاَّ فما هي الغاية المَرْجُوَّة مِن كلِّ ذلك الزَّخم مِن الأَخْبار السَّلْبيَّة الَّتي تُؤَدِّي إِلى انْهيار المَعْنويَّات وغَلَبة الإِحْساس بعدم الأَمان والتَّوجُّس؟، وما الغايَة المَرْجُوَّة من النَّبْش عن الأَخْبار التَّحْريضيَّة والطَّائفيَّة والتَّخْوينيَّة مِن دون امْتِلاك الدَّلائل والقَرائِن، والمُبالَغة في كلِّ مَجالٍ وفي روحيَّة كلِّ خبرٍ؟ وما المَقْصود في تَعْميم تُهْمة الفَساد على الصَّالح والطَّالح في آنٍ، ورَفْع شِعار "كلُّن يَعْني كلُّن"؟... وهذا هو حالُ الإِعْلام في لُبْنان اليوم!.
يَتناسى أَصْحاب الإِعْلام السَّلْبيّ والقيِّمون عليه، أَنَّ في لبنان أُناسًا يُفكِّرون ويَعْملون ويَسْهرون ويَتْعبون، ويَأْتون بنتيجةٍ لشَعْبِهم، وعلى رَأْس هؤلاء رئيس الجُمْهوريَّة العماد ميشال عون. كما ولا بُدَّ من التَّوقُّف عند المَعْلومات المُفَبْركة المُتجلِّية في التَّصاريح السِّياسيَّة، كما وفي المُؤْتمرات الصِّحافيَّة، ومِنها ما قدَّمه وزير الخارجيَّة الأَميركيَّة الأَسْبق كولن باول، في 5 شباط 2003، في خطابٍ مُفَبْرَكٍ أَمام مَجْلس الأَمْن الدَّوْليّ ضدَّ العراق، عارضًا لما اعتَبَرته بلاده "أدلَّةً" على امْتِلاك العِراق أَسْلحة دمارٍ شاملٍ، وإِيْواء عناصر مِن "تَنْظيم القاعِدة"... وكلُّ ذلك لتَبْرير الغَزو الأَميركيّ للعِراق. وقد تعمَّدنا الاسْتِشهاد بالوِلايات المُتَّحدة، كيْلا تَخْرج هذه المَقالة عن سِياقها البَحْثيِّ، لتُضْحي جَدلاً سِياسيًّا... وبعد حَوالي ثمانيَة أَعْوامٍ، نَقلت صَحيفة "لونوفيل أُوبْسرفاتور"، في 31 كانون الأَوَّل 2010، عن باول اعْتِرافه للمرَّة الأُولى، بأَنَّ خِطابه الَّذي اتَّهم فيه العراق بامْتلاك أَسْلحة دمارٍ شاملٍ كان "مُفَبْرَكًا"، وقد بقي ذلك "الخِطاب المُفَبْرَك" نقطةً سَوْداء في ملفِّه.
ومِن واشنطُن إِلى بَيْروت، حَيْثُ النَّاس عندنا في وادٍ آخَر، غير الحَضيض الَّذي ترسمُه لَهُم اليوم، بعض الرِّيَش الإعلاميّة من وحي مخيِّلتها... إِنَّ ما يُؤْرِق النَّاس ويَدْعوهم إِلى الَّتفْكير، أَنَّهم يَتعطَّشون إِلى سَماع أَخْبارٍ تَتعلَّق بتحقيق إِيْجابيَّاتٍ، ولو مَحدودةً، علَّ ذلك يَكون بدايةً تَقود إِلى تَحْقيق إِيْجابيَّاتٍ أَكْبر، في ما يَرَونه نفقًا مُظْلمًا!… هذا ما يَحْتاجون إِليه، كي تَخفَّ وَتيرة شُعورهم بالبُؤْس المُصْطَنَع، والمُتَنامي يومًا بعد يومٍ...
إنَّ المَطْلوب اليَوْم، إِحْلال مَفاهيم الوَسَطيَّة والاعْتِدال والتَّسامح، إِضافةً إِلى تَسامي القيِّمين على الوَسائل الإِعْلاميَّة عن المَصالح الخاصَّة و"الأَجنْدات السَّلْبيَّة"، وتَسْخير الوَسائل الإِعْلاميَّة كما والبَرامج، للصَّالح العامِّ وفي خِدْمة الخَيْر والاسْتِقرار، والتَّحليِّ بالمهنيَّة الخُلقيَّة وحسِّ المَسْؤولية وروح الإِعْلام الإِيْجابيِّ الهادِف.
والمَطْلوب وَقْف العَمل فَوْرًا بمَقولَة: "اكْذب واكْذب حتَّى يُصْبح الكَذب حقيقةً"... فحتّى لو كانت "البلد كلُّها مسحورةً" على ما قالَت يومًا رنْهيلد بومْسل أَمينَة سرّ غوبلز، غير أَنَّ "صرح الكَذب الهشّ سيَتهاوى سريعًا على مَن فيه.
والتَّصدِّي لخطر الإِعْلام المُوجَّه يَبْدأ بالوَعي الفَرْديِّ والجَماعي، والتَّحلِّي باليَقظة والتَّفْكير النَّقْدي، واسْتقاء المَعْلومات من المَصادر الأَمينة المَوْثوقة، والحَذر من الأَكاذيب والإِشاعات. وكذلك ثمَّة دَوْرٌ لوسائل الإِعْلام في حِماية المُجْتمع مِن تَضْليل الإِعْلام المُوجَّه سلبًا.
إِنَّ بَيْروت الَّتي تَتطلَّع إِلى اسْتِعادة دَوْرها كعاصمةٍ للحِوار الفكريِّ، وبخاصَّةٍ بعد تَحْميلها مَسْؤوليَّة إِشادة "أَكاديميَّة الإِنْسان للتَّلاقي والحِوار"، وبيروت "المَرْكز الدَّائم للحِوار بين مُخْتلف الحَضارات والدِّيانات والأَعْراق"، تَسْتأْهل منَّا أَنْ نَسْعى إِلى تَحْقيق هذا الهَدف مِن خلال مَواقعنا الإِعْلاميَّة الوطنيَّة بامْتِيازٍ!...