أن يتسلّم مخفر بلدة القاع الحدودية في الساعات القليلة الماضية إمرأة سوريّة دخلت خلسة عبر المعابر غير الشرعيّة برفقة 14 ولداً وهي آتية من معدان العتيق في منطقة دير الزور، لخبرٌ إعتاد اللبنانيون على سماع مثله وبوتيرة يوميّة خلال السنوات القليلة الماضية وتحديداً بعد بدء الحرب السوريّة في العام ٢٠١١، أما أن تعترف المرأة المذكورة خلال التحقيق معها بأنها دفعت مالاً لتهريبها وأن سبب مجيئها الى لبنان اقتصادي وليس امنياً لأن زوجها مريض في سوريا، فهنا الفضيحة بحدّ ذاتها. فضيحة متعدّدة الأوجه، منها، ما يفضح أكثر فأكثر السياسة التي يعتمدها النازحون السوريون للبقاء في لبنان، ومنها ما يسلّط الضوء على هشاشة الوضع الأمني على ما تبقى من معابر حدوديّة غير شرعيّة بعدما أقفل الجيش اللبناني عبر أفواج الحدود البريّة عدداً كبيراً منها.
في الشقّ المتعلّق بالسياسة التي يعتمدها النازحون، تعلق مصادر مواكبة لهذا الملف بالقول، "إن الأكثرية الساحقة من النازحين السوريين في لبنان هم من أبناء الأرياف في المحافظات السوريّة، وتحديداً من فقراء الشعب السوري الذين إعتادوا الإتكال لتأمين معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي، حتى أن هناك البعض منهم كان يعيش في سوريا داخل خيمة لا في منزل إسمنتي. بعد نزوحهم الى لبنان، لم يعودوا مضطرين الى العمل في الزراعة ولا الى تربية المواشي كي يؤمّنوا لقمة عيشهم، لا بل أصبحوا يحصلون على المال ومحروقات التدفئة والدواء والطعام والتعليم من المنظّمات الدوليّة، كل ذلك من دون أن يبذلوا أيّ جهد على الصعيد الشخصي، وفوق كل ذلك راح عدد منهم يتطلّع الى تحقيق المزيد من الأرباح وقام بفتح مؤسسات تجاريّة تنافس تلك التي يملكها لبنانيون، وهذا ما تقوم وزارة العمل والسلطات المعنيّة بوضع حدّ نهائي له". لذا وإنطلاقاً من كل ما تقدّم، تسأل المصادر عينها " هل هناك أحد في لبنان، سياسياً كان أم مواطناً عادياً، لا يزال يتفاجأ عندما يسمع السوريّة الموقوفة تقول "لقد دفعت مالاً للمهرّبين كي أدخل لبنان خلسة، وسبب دخولي إقتصادي وليس خوفاً من أي وضع أمني في الداخلي السوري"؟ نعم قد يكون التعبير الأوضح عن حقيقة بقاء النازحين السوريين في لبنان، هذا ما يجب أن تأخذه بعين الإعتبار الأحزاب والتيارات السياسية التي لا تزال تتعاطى مع هذا الملف تارةً بمنطق المزايدات الإنسانية، وتارةً أخرى بمنطق رفض التفاوض مع النظام لتسريع عودة النازحين الى أرضهم التي أصبحت بنسبة أكثر من ٨٥ ٪ آمنة.
أما فيما يتعلق بالمعابر غير الشرعيّة، والتي يدير التهريب عبرها لبنانيّون وسوريّون، فتقول المصادر العسكريّة والأمنيّة المتابعة، "إن التركيز كان في الفترة الماضية على المعابر التي تهرّب عبرها البضائع بالشاحنات والسيارات، وقد أقفلنا الكثير منها ولم يبقَ أكثر من ١٠ أو ١٢ معبراً نعمل على إقفالها بشكل نهائي، أما بالنسبة الى المعابر التي يمر عبرها أشخاص، فهي أصعب وعددها أكبر بكثير من تلك المخصّصة للسّيارات، سبق أن أقفلنا عدداً كبيراً منها ويبقى القليل لكن إقفال هذا العدد القليل يحتاج الى دقة في التعاطي الأمني نظراً الى طبيعة الحدود المتداخلة جغرافياً مع سوريا، ونظراً الى عدم وجود ترسيم حقيقي للحدود في هذه المناطق هذا من دون أن ننسى اللبنانيين، وعددهم بعشرات الآلاف، الذين يعيشون في الأراضي السورية المواجهة للحدود والذين يعبرون يومياً أكثر من مرة الى لبنان، ولهؤلاء يجب أن تفتح لهم معابر شرعية، عندها يبدأ الحديث الجدي عن ضبط الحدود.
إذاً سبب بقاء النازحين السوريين في لبنان إقتصادي وليس أمنياً، ومن له أذنان سامعتان من المسؤولين والسياسيين في لبنان، فليسمع…