عقد مجلس الأمن الدَولي أمس الأوّل الإثنين جلسة مُشاورات مُغلقة بشأن تطوّرات الوضع في سوريا، تركّزت على سُبل دعم المسار السياسي المُتمثّل في التحضيرات القائمة لإنجاح إجتماع أعضاء اللجنة الدُستوريّة الخاصة بسوريا والمُزمع عقده في جنيف في 30 تشرين الأوّل الحالي. فهل يُمكن أن تكون هذه اللجنة الباب المُنتظر منذ سنوات للتوصّل إلى تسوية سياسية في سوريا؟.
لا شكّ أنّ خُطوة تشكيل هذه اللجنة الدُستوريّة مُهمّة، خاصة وأنّها تحظى بدعم أممي واسع، علمًا أنّها ستُكلّف العمل على صياغةدُستور جديد بالكامل لسوريا في أفضل الأحوال، أو على إدخال تعديلات مهمّة على الدُستور الحالي في أسوأ هذه الأحوال! وتعمل الأمم المتحدة على توفير أوسع فرصة مُمكنة لإنجاح الإجتماع الأوّل للجنة الدُستورية المُرتقب عقده في سويسرا نهاية الشهر الحالي، حيث يعتزم المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، توجيه الدعوات لما لا يقلّ عن 150 شخصيّة سوريّة للمشاركة في هذا الإجتماع المهم. وعلى خطّ مواز، من المُقرّر أن يزور بيدرسون سوريا الأسبوع المقبل، على أن يزور بعد ذلك السُعوديّة، وعلى جدول أعماله سُبل إنجاح جُهود اللجنة الدُستوريّة التي شكّلت خُطوة تشكيلها-بعد طول تعثّر، تقدّمًا مُهمًّا على مُستوى الأزمة السوريّة.
لكنّ إنطلاق أعمال هذه اللجنة لا يعني أنّ الحلّ السُوري صار على الأبواب، حيث أنّ لا جدول أعمال واضح ومُحدّد للجنة حتى تاريخه، علمًا أنّ بعض الجماعات السُوريّة المُعارضة مُمثّلة فيها، وهي تُطالب بصياغة دُستور جديد بالكامل لسوريا، بينما مُمثّلي النظام السُوري في اللجنة يُعارضون هذا الأمر، وهم عازمون على منع المُعارضة من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الحرب عن طريق السلم. وبالتالي، يرفض هؤلاء أي مساس بسُلطات رئيس الجمهوريّة السُورية، وأي تقصير لولايته، علمًا أنّ هذا البند هو في طليعة البُنود الخلافيّة بين الطرفين، إضافة إلى طبيعة الُحكم ككل في سوريا، حيث تُطالب المُعارضة بالتخلّي عن الحُكم الرئاسي لصالح قيادة جَماعيّة ديمقراطيّة.
إشارة إلى أنّ الجيش السُوري يُواصل في غُضون ذلك ضُغوطه العسكريّة على الجماعات السُورية المُسلّحة المُتحصّنة في إدلب، والتي باتت مَقسومة بعضها على بعض أكثر من أيّ وقت مضى. وفي هذا السياق، دعا رئيس "هيئة التفاوض السُوريّة المُعارضة" نصر الحريري خلال الساعات الماضية، إلى التحرّك ضُدّ "هيئة تحرير الشام" التي تُسيطر على جزء من إدلب، للحؤول دون قيام النظام السُوري المدعوم من روسيا، بمُهاجمة إدلب، بذريعة ضرب الهيئة المَذكورة، مع ما يعنيه هذا الأمر من فقدان لآخر ورقة تملكها المُعارضة بيدها. وعلى الرغم من إعلان السُعودية–على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المُتحدة، السفير عبد الله بن يحيى المعلمي، ترحيب بلاده بإتفاق تشكيل اللجنة الدُستورية السُورية وقرب إنطلاق أعمالها لصياغة دُستور للبلاد "يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254"–كما قال، فإنّ السُلطات السُوريّة أكّدت ضرورة عزل أي تأثير خارجي عن عمل اللجنة الدُستوريّة، لمنحها أكبر فرصة للنجاح.
وبحسب خُبراء غربيّين مُتابعين لتطوّرات الوضع في سوريا، إنّ تشكيل لجنة مُناقشة الدُستور السوري أفضل من عدمه، لكنّ قرارات هذه اللجنة لا يُمكن أن تأتي مُنفصلة عن موازين القوى على الأرض. وأضاف هؤلاء أنّ مطالب المُعارضة السُوريّة الرامية إلى الإطاحة بالرئيس السُوري بشّار الأسد، عن طريق وضع بُنود في الدُستور، تمنع التجديد له، لا يُمكن أن تمرّ-مهما بلغت الضُغوط الدَوليّة. وأوضح هؤلاء الخُبراء أنّ التسويات تعكس عادة نتائج الحُروب الميدانيّة، والحرب في سوريا صبّت في صالح النظام السُوري-بغضّ النظر عن الأسباب وعن حجم الدعم الخارجي الذي تلقّاه، في مُقابل إنقسام مُعارضيه وداعميهم، وتقاتلهم في ما بينهم. وبالتالي–برأي الخُبراء أنفسهم، لن تكون مُفاوضات تعديل الدُستور سهلة، بل صعبة وطويلة، والنظام السُوري لن يسمح بأن يخسر في الدُستور ما ربحه في المعارك على الأرض. وتابع هؤلاء أنّ المعارضة السُورية غير قادرة على إدخال تعديلات كبيرة وجوهريّة على الدُستور السوري، لكنّها قد تُحقّق بعض الخُروقات الثانويّة، والأهمّ أنّها قد تكسب مزيدًا من الوقت على طاولة المُفاوضات على أمل إستفادتها من موازين إقليميّة ودَوليّة مُختلفة لاحقًا، بعد أن كان النظام السُوري يُحاول السيطرة على آخر معاقلها في إدلب لفرض شروطه بشكل كامل في أي مُفاوضات مُستقبليّة.
إشارة في الختام أيضًا إلى أنّ وزير خارجية كازاخستان مختار تلاوبردي، كشف من جهته عن تحضيرات مُستمرّة لعقد إجتماع بشأن الوضع في سوريا في العاصمة الكازاخستانية خلال الشهر الحالي، من دون تحديد موعده بعد. وبالتالي، إنّ السباق مُستمرّ في سوريا بين الجُهود السلميّة، والضُغوط العسكريّة، والأكيد أنّ الأزمة السُوريّة–بما تحمله من ملفات شائكة على مُستوى الأمن الإقليمي والتوازنات الإقليميّة، وكذلك على صعيد اللاجئين، ليست في طليعة أولويّات دول المنطقة والعالم، حيث أنّ الأنظار كلّها مشدودة في المرحلة الراهنة إلى الملفّ الإيراني، ما يعني أنّ المُفاوضات الخاصة بسُوريا هي في الوقت الحالي مُخصّصة لتمرير الوقت فقط لا غير!.