«لا تخافوا ... سنقوم بإنقاذ السفينة ومَنْ عليها، ولن نجعل أحداً يسيطر على لبنان...» قالها الرئيس ميشال عون في مأدبة غداء أقامتها الرهبانية الأنطونية في بعبدا يـومَ عيد شفيعها... وفوق مأدبة الغداء ينتصب صليب المسيح.
المسيح، قـال لتلاميذه لا تخافـوا «طوبى للجياع... للحـزانى... للمساكين.. للعطاش، ووعدهم بملكوت السماوات..» (1)
ونحنُ، الجياع والعطاش والمساكين، نخاف... وليس هناك مَـنْ يضمن لنا ملكوت السماء، وعلى ملكوتِ الأرض لصوصٌ «وكتَـبةٌ وفرّيسيّون يأكلون بيوت الأرامل..» (2)
حتى المسيح، الذي انتصر على الجوع أربعين يوماً في البريّة وتحدّى تجربة الشيطان بالقول: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان...»، هو نفسه يصرخ في نـزاعهِ على الصليب: «أنا عطشان.» (3)
نحن نخاف.. نعم نخاف، لأنّ المدنَّسين من أبناء حواء يسقطون من الفردوس بسبب شهوة الأكل، ونحن نسقط من الحياة بسبب شهوة الجوع.
نخاف... لأن الأفراح عندنا أصبحت مآتـم...
ولأن الولادات عندنا أصبحت مشروع وفيِّـات...
ولأن الذين يولدون في هذه الأرض لا يُدْفنون عليها...
ولأن أوطان الآخرين أصبحت مستوطنةً في الوطن...
ونخاف، لأن المدينة الفاضلة أصبحت مدينة عاهرة، ولأن كلَّ آفـة عندنا، وكلَّ حقارةٍ ودعارة يسمونها سياسة.
والسياسة عندنا فسادٌ متوارث، كما الأفيون يُمارَسُ مـرّة ويصبح مِـنْ بعدُ إدماناً، والإدمان بالفساد على ما يقول أبو العلاء المعري: «عائدٌ الى طبائع البشر وما داموا يتوارثون بالتناسل فالطبائع هي هي، والفساد هو هو».
نخاف نعم نخاف، ما دامت كـلُّ الفواجع والمآسي والفضائح والمعاصي تُرتكب على يـد الذين يُفترَضُ أن يكون بهم الخلاص، وما دام وزير خارجية لبنان، يعلن من على سطوح العالم في دولة كندا: «أنّ شركاء في داخل الحكومة يتآمرون على البلد...»
ونخاف... وكيف لا تخـاف الأرانب في مملكة الغاب من مخالب الذئاب.
الخوف في علم النفس يولّد الجنون، والجنون يولِّد الثورة، وأَقبحُ أنواع الثورة إنْ شبَّتْ، أنْ يخوضها اللبنانيون لإنقاذ لبنان من اللبنانيين.
رجل التجارب التاريخية الشيخ بيار الجميل: طالما كان يردّد، لا يكفي أن تقول للخائف لا تخَـفْ، بل المهمّ أن يشعر هو في قرارة نفسه بالإطمئنان وعدم الخوف،
نحن في قرارة نفوسنا يتآكلنا الهلع، ومخافة أن يؤدي جنون الخوف الى جنونِ الثورة، لا بـدّ من التقاط بعضٍ من خيوط الأمل، الآن الآن وليس غداً.
فما لكَ بعدَ هذا اليومِ يومٌ
فإنْ لـمْ تستطعْ لَـنْ تستطيعا.