عجيبٌ غريبٌ كيف يُدارُ هذا البلد! تبحثُ حكومات الدولُ عن كيفية المنافسة في الاقتصاد العالمي، بينما في لبنان، مسؤولون يضيعون في زوبعة فنجان.
أليست وزارة الإقتصاد والتجارة في لبنان مَن طرح في قمة الدول العربية الاقتصادية مشروع
الاقتصاد الرقميe-commerce ؟ عندها بدا لبنان متقدّماً ساعياً للتطور والانخراط بقوة في عالم التجارة الدولية الحديث .ولكن، سريعاً ما انكشف العكس.
بتاريخ ٢٣ آب ٢٠١٩ صدر المرسوم رقم ٥٤٩٧ المعنون "فرض بعض الإجراءات بهدف حماية بعض المنتجات الوطنية" وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء وقّع المرسوم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ووزير الاقتصاد والتجارة . نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ ٢٦ أيلول ٢٠١٩. ( ربطاً صورة المرسوم )
العنوان بمضمونه (وليس بأسلوبه اللغوي) مُرضٍ للرأي العام، كلفتة حماية للإنتاج المحلي .
تظهر الطامة الكبرى في ما يلي :
-تنصّ المادة الرابعة من المرسوم "على إدارة الجمارك عدم السماح بإدخال البضائع المستوردة من أيّ بلد كان ما لم يضم الى الملف الجمركي نسخة مصدّقة وفقاً للأصول عن الفاتورة المقدّمة الى ادارة الجمارك في بلد المنشأ."
•ماذا تعني مصدّقة وفقاً للأصول؟
أشارت المذكرة رقم ١٨ الصادرة عن المديرية العامة للجمارك في ١/١٠/٢٠١٩ على وجوب تصديق تلك الفواتير من السلطات الجمركية في بلد المنشأ اضافة الى مصادقة البعثات الدبلوماسية او القنصلية اللبنانية فيما اذا وجدت في المدينة.
وهذا امرٌ صحيح من المنظار اللبناني، فيما اذا ارادت اَي مرجعيّة محليّة وضع التفسير القانوني لعبارة "مصدّقة وفقا للأصول" مع الإضافة ان توقيع وختم البعثات الدبلوماسية في الخارج ليُعتد بها في لبنان يجب ان يصادق عليها من وزارة الخارجية في لبنان .
ولكن؟!
-هل يعلم مقترحو المرسوم ومصدّقوه وموقعوه أن السلطات الجمركية في بعض الدول العربية والأجنبية لا تصادق على فواتير الشركات الخاصة لعدم توافر صفتها وصلاحيتها؟!
-هل يعلم السادة الوزراء أنّ عمليات الشراء والبيع في بعض دول الخارج تتمّ بناء على فواتير رقمية E-invoice وذلك لسرعة اتمام الشحن؟.
-هل يُعقَل أن تعود إجراءات ادخال البضائع الى لبنان لاسلوب السبعينيات حيث ان المصادقات في الخارج كانت تتطلب حوالي ١٠ أيام وأكثر ما يعرقل حتماً سير التبادل التجاري؟.
-ماذا عن الدول التي لا تفرض إجراءات تخليص جمركية للبضائع المُصدّرة بحيث انها لا تنظر حتى الى الفواتير؟.
-ماذا عن البضائع سريعة التلف؟! كيف ستتعامل معها السلطات الجمركية فيما اذا كانت مشتراة من اكثر من منشأ ولا فواتير مصدّقة من بلاد المنشأ في بيانها الجمركي؟.
-ماذا لو كان البلد المُصدّر تمر فيه البضائع عبر وسطاء تجاريين ولم تُشحن مباشرة من بلد المنشأ، أيّ فواتير مصدقة يطلب لبنان؟!.
-ماذا عن دول المنشأ التي لا حدود بحرية لها وتُنقل البضاعة منها برا لتُشحن عبر بلد آخر؟!.
-ماذا عن الدول التي تبعد البعثات الدبلوماسية فيها مدنا وتحتاج سفرا جويا داخليا للوصول اليها؟.
والأسئلة كثيرة... لا شكّ ان مقترحي هذه المادة أرادوا منها ضبط صحة تصريح قيمة البضائع الوارد في الفواتير والمقدّم للجمارك اللبنانية بهدف الحدّ من "التهرّب الضريبي" عبر نوع من "الرقابة المسبقة". ولكن هذه التدابير باتت خارج المنظومة الإداريّة المعتمدة دوليّا لثبوت ضررها وعدم جدواها والاستعاضة عنها بنوع اخر من الرقابة المسبقة واللاحقة.
الجواب الأدق، لبنان قد يكون البلد الوحيد في العام ٢٠١٩ الذي يطلب فواتير مصدّقة للإجراءات الجمركية بشكل شمولي حتى مع دول لا اتفاقات "تيسير" معها.
-أما بما يتعلق بالمادة الثانية من المرسوم والتي طالت البضائع المستوردة من الدول العربية والاتحاد الأوروبي .
أليست الاتفاقيات الدوليّة أعلى مرتبة من المراسيم والقوانين أهمها اتفاقية التجارة العالمية؟!.
بلبلة كبيرة وقعت جرّاء المرسوم ٥٤٩٧/٢٠١٩ والشركات التجارية تجد نفسها في مهبّ الريح وبضائعها في مهبّ ارصفة المرافئ والمطارات بانتظار الفرج او الطعن بالمرسوم.
فلماذا يفعل لبنان هكذا باقتصاده؟.