كان من المُفترض أن تعقد لجنة الإعلام والإتصالات النيابيّة إجتماعًا لها العاشرة من قبل ظهر الإثنين 7 تشرين الأوّل، لكنّ وزير الإتصالات الحالي محمد شقير الذي كان قد تغيّب سابقًا عن إجتماعاتها، أبلغ رئيسها النائب حسين الحاج حسن أنّه يُرافق رئيس الحكومة سعد الحريري في زيارته إلى دولة الإمارات العربيّة المُتحدة، الأمر الذي دفع رئيس لجنة الإعلام والإتصالات إلى تأجيل الجلسة إلى يوم الإثنين 14 تشرين الأوّل، مع الإبقاء على جدول الأعمال نفسه، وأبرز بُنوده إستكمال البحث في ملفّ شركة "تاتش". وكان المُدّعي العام المالي القاضي، علي إبراهيم، إستدعى قبل أيّام وزير الإتصالات الحالي للإستماع إليه، بناء على معلومات تلقّاها من لجنة الإعلام والإتصالات، لكنّ الوزير المعني لم يحضر، وكذلك لم يحضر وزير الإتصالات السابق النائب جمال الجرّاح، بينما حضر وزير الإتصالات الأسبق النائب السابق بطرس حرب، واعلن أنّه أجاب على كل إستفسارات المُدعي العام المالي وعلى كل أسئلته. وأثارت هذه القضيّة حملات إعلاميّة مُتبادلة بين عدد من النوّاب والشخصيّات، لم تنته فُصولاً بعد. فما الذي يحدث، وهل سيصل هذا الملفّ إلى نهاية عادلة؟.
من وجهة نظر الجهّات المُطالبة بإتمام هذه التحقيقات، تُوجد العديد من القضايا والملفّات التي تحتاج إلى توضيح، منها ما هو حديث على غرار ملفّ صفقة شراء مبنى "تاتش" في "سوليدير" بمبلغ كبير بعد هدر الكثير من الأموال على إستئجاره لسنوات طويلة قبل ذلك، ومنها ملفّات تعود إلى سنوات عدّة إلى الوراء، وتركت لبسًا في أذهان المُواطنين(1). وبحسب رأي هذه الجهات نفسها، إنّ من حقّ لجنة الإعلام والإتصالات النيابيّة الإستفسار من الوزير المعني عن النقاط المُبهمة، إنطلاقًا من الدور الرقابي للسُلطة التشريعيّة على السلطة التنفيذيّة، ومن حقّ المُدّعي العام المالي إستدعاء أيّ وزير حالي أو سابق، وطرح الأسئلة التي يريدها عليه، باعتبار أنّ هذا الأمر لا يدخل في إطار التحقيق الجنائي مع مُتهمين، بل هو عبارة عن إستفسار عن ملفّات وقضايا من المَعنيّين مُباشرة، أي من الوزراء المسؤولين خلال فترات إدارتهم لوزاراتهم.
في المُقابل، ومن وجهة نظر الجهات الرافضة لخُضوع الوزيرين شقير والجرّاح لأي تحقيق، إنّ ما يحصل هو عبارة عن إستهداف وإنتقام شخصي، وعن كيديّة سياسيّة، لجهة حصر التحقيقات بملفّات مُحدّدة، وبوزراء مُحدّدين محسوبين على جهة سياسيّة واحدة، وإستثناء وزراء آخرين، مرّوا على وزارة الإتصالات... وبحسب رأي هذه الجهات نفسها، إنّ حملات سياسيّة وإعلاميّة وإتهامات عدّة بالفساد والسرقة، سبقت المُداولات خلال جلسات لجنة الإعلام والإتصالات النيابيّة، وسبقت كذلك الأمر إستدعاء المُدعي العام المالي، بحيث تكشّف الهدف الحقيقي القاضي بتشويه سُمعة الوزراء المَطلوبين للتحقيق أمام الرأي العام، وبإتهام "تيّار المُستقبل" بالفساد، وبتحميله مسؤولية التدهور الإقتصادي والمالي، إلخ.
وبالنسبة إلى ما يُمكن أن يحصل مُستقبلاً في هذه القضيّة، فإنّ الحديث عن فتح باب المُحاسبة القضائيّة للمُتورّطين في قضايا فساد لن يُترجم على الأرض، لأنّه بمُجرّد إدخال العامل السياسي في قضايا من هذا النوع، وبمُجرّد فتح باب التحقيقات في ملفّات مُحدّدة وإهمال أخرى وإستهداف وزارات دون أخرى، يعني أنّ أيّ مسؤول محطّ مُساءلة سيحظى بالحماية من فريقه السياسي، وحتى من بيئته الطائفيّة والمذهبيّة! وبالتالي، ليس من السهل على الإطلاق إستفراد وزراء حاليّين أو سابقين من "تيّار المُستقبل"-بغضّ النظر عن حجم الوقائع الثابتة في الملفّات المرفوعة بوجههم، أو على الأقلّ تلك التي هي بحاجة لتوضيحات من قبلهم.
وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ المرحلة المُقبلة ستشهد تنسيقًا مُتواصلاً بين كلّ من رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، لتسهيل ولادة مُوازنة العام 2020 التي تُواجه عقبات مُختلفة، والتي لا يبدو أنّها ستمرّ ضُمن المُهلة المُفترضة لها، أي قبل 15 تشرين الأوّل. كما أنّ التنسيق العالي المُستوى بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل" سيطال أيضًا خلال الأسابيع المُقبلة، إستكمال تقاسم دُفعات التعيينات مع "الثنائي الشيعي" مع تخصيص بعض المراكز المحدودة لكل من "تيّار المردة" و"الإشتراكي"، وغيرهما، ما يعني أنّ الأجواء غير مُؤاتية إطلاقًا للذهاب بعيدًا في مُحاربة أيّ ملفّ فساد، في ظلّ الحمايات السياسيّة المُتوفّرة!.
(1) ملفّ مشروع "الألياف البصريّة" وتجيير مهمّات تقنيّة كان بإمكان "أوجيرو" القيام بها لصالح شركتي "جي دي أس" و"وايفز" (أثير سنة 2017)، وملفّ تقاضي بعض مُوظّفي وزارة الإتصالات الكبار مبالغ ضخمة (أثير سنة 2018)، إلخ.