يُدرك الفلسطينيون أنّ الرد على مُخطّطات ومُؤامرات الاحتلال الإسرائيلي، يكون بأساليب مُتعدّدة، مُقاومة في السياسة والدبلوماسية والميدان والصمود، وأيضاً "القُنبلة الديمغرافية"، فكيف إذا كانت ثمرة تعبير عن قصة صمود ونبل وتضحية!
هذا ما شهده مُخيّم النصيرات - وسط قطاع غزّة، حيث قرّرت 3 شقيقات فلسطينيات، هُنَّ: ريم ونور وميرفت، الزواج من 3 شبان، كان القاسم المُشترك بينهم، بتر أقدامهم جرّاء إصاباتهم برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال مشاركتهم في مسيرات العودة الكبرى، على الحدود الشرقية لقطاع غزّة، والتي استشهد فيها 194 شخصاً، وجُرِحَ أكثر من 21 ألفاً آخرين بجروح مُتعدِّدة، منذ انطلاقها قبل 77 جمعة - أي مُنذ 30 آذار 2018.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنّ الزواج كان من دون مهر، لأنّ الدماء أغلى من كل شيء، وأيضاً في عرس جماعي ضمَّ 180 عريساً وعروسة.
هذا النموذج من الرد الفلسطيني على وحشية المُحتل الإسرائيلي، يُثبِت التمسُّك بالصمود والتضحية والإصرار على مُواصلة الحياة.
ويأتي ذلك في وقت أكّد فيه الرئيس محمود عباس تمسّكه بإجراء الانتخابات التشريعية في الضفّة الغربية وقطاع غزّة والقدس.
أما على جبهة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فإنّ الرئيس المُكلّف تأليفها بنيامين نتنياهو، ما زال يعيش حالة تخبُّط، وسط دائرة تُقفل فيها الأبواب والنوافذ أمامه، لعدم تمكّنه من تسجيل أي اختراق على جبهات "أزرق - أبيض" برئاسة بيني غانتس، أو "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، أو تفكيك الأحزاب في معسكر "الوسط - يسار" لاستمالة 6 نوّاب، يُؤمّنون له رفع تأييده من 55 نائباً في "الكنيست" إلى 61، يضمن من خلالهم الثقة لحكومته العتيدة.
وما زال غانتس وليبرمان يُراهنان على فشل نتنياهو في التشكيل، وأيضاً يمنيان النفس بإحداث تمزّق داخل حزب "الليكود"، بعدما طرح نتنياهو إجراء انتخابات داخلية لرئاسة الحزب، فتبيّن أنّ هناك مَنْ يُفكّر بالترشّح لمُنافسته على الرئاسة.
وفي حقيقة الأمر، فإنّ نتنياهو، الذي خضع لجلسات الاستماع في 3 ملفات فساد، وُجِّهَتْ فيها التُهم إليه وزوجته سارة، وتتعلّق بـ"الرشوة، الاحتيال وخيانة الأمانة"، ينتظر قرار المُستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، الذي سيحدد مُستقبله بين الاستمرار في السياسة أو السجن!
لكن، الجميع يترقّب القرار، الذي سيتّخذه ليبرمان، بعدما أمهل "الليكود" و"أزرق - أبيض" حتى "يوم الغفران" العبري، بتقديم عرضه الخاص إلى الجانبين، إذا لم يتّفقا.
وعدم إفصاح ليبرمان عن موقفه، ورفضه تأييد نتنياهو بتشكيل الحكومة، دفع بالأخير إلى الاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من خلال المُكالمة الهاتفية، التي أجراها معه أمس (الاثنين)، وزعم أنّها "تتعلّق بأمن الكيان الإسرائيلي"، لكن في حقيقة الأمر، إنّها مُحاولة منه طلب خلالها من الرئيس الروسي، إقناع المُستوطن الروسي المُقيم في "مستعمرة نوكديم" - شرق بيت لحم، ليبرمان، من أجل المُساعدة في تشكيل الحكومة.
وقال نتنياهو: "لقد أجريتُ مُحادثة هامّة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لقد اجتمعتُ معه قبل عدّة أسابيع، وتحدّثنا عن مواضيع هامة لأمن دولة إسرائيل، وأيضا هذه المُحادثة كانت هامة لأمن إسرائيل".
وتابع نتنياهو: "تُوجد حولنا تحديات كبيرة، لكنّنا نتمتّع بالتعاون والتنسيق مع روسيا، وهذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا، وسنستمر بالقيام به".
لكن رد ليبرمان جاء سريعاً، بشن هجوم عنيف على وزراء الحكومة الإسرائيلية، الذين ينتمون إلى حزب "الليكود".
واستهل ليبرمان هجومه برئيس الوزراء نتنياهو، قائلاً: "إنّه لا يفهم بالثقافة والولاء"، فيما وصف وزير الخارجية يسرائيل كاتس، بـ"الكاذب الحقير".
لكن أشد الأوصاف التي صدرت عن ليبرمان، طالت وزيرة الثقافة والرياضة في الكيان الإسرائيلي ميري ريغيف، التي وصفها بالـ"بهيمة"، حيث قال: "نعم إنّها بهيمة، مع احترامي الشديد للبهائم".
وجاءت تعابير ليبرمان ضد قادة "الليكود"، الذين يشنّون هجوماً دائماً ضدّه بسبب رفضه الانضمام إلى ائتلاف حكومي يضم اليمين، فيما يؤكد ليبرمان في رفضه، أنّه "مع تشكيل حكومة وحدة وطنية، مع "الليكود" و"أزرق - أبيض" من دون اليهود المُتديّنين".
في غضون ذلك، عقد المجلس الوزاري المُصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) اجتماعه الأوّل منذ إجراء الانتخابات العامة، لبحث "تهديد أمني مُتعاظم".
وهناك مَنْ يُراهن على أنّ هذه "التهديدات"، قد تكون دافعاً لحل المأزق السياسي في الكيان الإسرائيلي.
إلى ذلك، وتأكيداً للإصرار على إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي دعا إليها الرئيس عباس، طالب رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر باستئناف الاتصالات فوراً مع القوى والفاعليات والفصائل والجهات المعنية كافة، من أجل التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية، على أنْ تتبع ذلك، بعد بضعة أشهر الانتخابات الرئاسية، وفق القوانين والأنظمة المعمول بها.
وأكد الرئيس عباس لدى استقباله ناصر، أمس (الإثنين)، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، أنّه أصدر تعليماته للحكومة وللأجهزة المعنية كافة، بالعمل على توفير جميع المُتطلّبات اللازمة لذلك.
حضر اللقاء: أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية للمنظّمة عزام الأحمد، رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ ومّستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي.
من جهتها، أكدت الأمم المتحدة، أمس، استعدادها للإشراف على الانتخابات الفلسطينية، وتقديم كل الإمكانيات لإجرائها.
جاء ذلك في لقاء جمع نائب رئيس الوزراء الدكتور زياد أبو عمرو مع وكيل الأمين العام للأمم المُتّحدة روزماري ديكارلو.
وأطلع أبو عمرو المسؤولة الأممية على "الخطوات الجادّة التي تقوم بها القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، لإجراء الانتخابات الفلسطينية العامة في القدس والضفّة الغربية وقطاع غزّة".
وأكد أبو عمرو، خلال اللقاء الذي جرى أمس (الإثنين)، في مكتبه برام الله، بحضور مبعوث الأمم المُتّحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، أنّه "سيتم البدء بحوار وطني بين مُختلف القوى الفلسطينية لإجراء هذه الانتخابات".
وطلب من ديكارلو أنْ "تقوم الأمم المُتّحدة وأطراف دولية أخرى بالإشراف على هذه الانتخابات، وتقديم كل ما يلزم لإنجاحها".
كما أطلع أبو عمرو ديكارلو على "الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة بسبب الحصار الإسرائيلي"، مُشدّداً على "أهمية قرار الأمم المُتّحدة الخاص باستمرار دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا".
من جانبها، أكدت ديكارلو "استعداد الأمم المُتّحدة للإشراف على الانتخابات، وتقديم كل الإمكانيات لإجرائها".