يسجل لرئيس الحكومة سعد الحريري الحراك المتواصل في الداخل واتجاه الخارج في سبيل احتواء الأزمة الاقتصادية والمالية التي يتعرض لها لبنان منذ فترة، وهو نجح إلى الآن في فرملة حالة التدهور هذه من دون أن تصل الأمور بعد إلى مرحلة الاطمئنان في إمكانية تجاوزها في وقت قريب.
صحيح أنه في حركة الرئيس الحريري بركة وهي تبعث على الأمل في الحصول على جرعات دعم عربية ودولية وتوظيفها على طريق الخروج من هذه الأزمة، إلا أن هذا الأمر يجب أن تواكبه حركة إصلاحات في مختلف القطاعات، خصوصاً وأن هناك إجماعاً من الدول التي تريد تقديم يد المساعدة عبر «سيدر» بضرورة تلمّس حصول هذه الاصلاحات قبل إعطاء الضوء الأخضر للبدء بوصول المساعدات الممنوحة في مؤتمر «سيدر» للبنان.
لكن على الرغم من المخاطر التي تلوح في الأفق الاقتصادي والمالي فإن أهل الحل والربط في لبنان ما زالوا يتلكأون في تحقيق ما هو مطلوب من إصلاحات، مع العلم أن مختلف القوى السياسية تؤكد وبشكل يومي على ضرور القيام بعملية إصلاحية توقف مزاريب الهدر وتقضي على الفساد وتعيد المال العام المنهوب إلى الخزينة على غرار ما تفعله بعض الدول التي تمر بأزمات على شاكلة الأزمة التي يمر بها لبنان، خصوصاً وأن مواقع الهدر والفساد معروفة بالأماكن والأسماء وأن الولوج إلى هذا الهدف لا يحتاج إلا إلى أخذ القرار الجدي بالإصلاح بعيدا عن الغطاءات السياسية والحمايات والامتيازات لأي مرتكب.
في تقدير مصادر سياسية مطلعة أن موازنة العام 2020 يجب أن تكون الحجر الأساس للانطلاق باتجاه تنفيذ عملية إصلاحية واسعة وشاملة لكي تعطي الحكومة انطباعاً إيجابياً لدى الخارج الذي يضع الخطوات الحكومية تحت المهجر بعد أن بعث برسائل متعددة تحذر لبنان من الاستمرار على ما هو عليه، وأنه لا بدّ من أن تأخذ الحكومة خطوات جريئة تؤدي إلى تحقيق المطلوب الذي يبعث على الاطمئنان إلى الدول المانحة وتقدم بدفع ما يتوجّب عليها للبنان لتمكينه من تنفيذ المشاريع والخطوات التي رفعها لهذه الدول.
ويكشف هذا المصدر أن هناك ثلاثة عناوين أساسية في نظر الدول المانحة على لبنان تنفيذها ليظهر جدية في اتجاه تحقيق الإصلاحات وهي تحرير الليرة وهو أمر ما زال لبنان يتردد كثيراً في تنفيذه، وثاني المشاريع ترشيق القطاع العام من خلال معالجة وضع هذا الكم من الموظفين وغالبيتهم توظفوا لاعتبارات انتخابية وطائفية ومناطقية، وثالث هذه العناوين هو معالجة أزمة الكهرباء إذ لا يُمكن أن تهدر المليارات ويبقى هذا القطاع على هذه الحالة المزرية.
وتجزم هذه المصادر أنه من دون تحقيق هذه العناوين لن يكون هناك لا «سيدر» ولا صنوبر ولا سنديان، بمعنى أدق لن تكون هناك مساعدات للبنان وأن الأزمة المالية والاقتصادية يُمكن أن تتفاقم وتُفتح الأبواب على شتى الاحتمالات.
وكشفت المصادر أن المسؤولين في لبنان باتوا على علم كافٍ بمعادلة الإصلاح مقابل المساعدات، وفي حال لم يتحقق الإصلاح، فلا مساعدات ولا من يحزنون .
وتسأل المصادر أنه طالما هناك نوايا حسنة وجدية في التعاطي مع الإصلاحات لماذا التأخير غير المبرر في الولوج في إجراء التعيينات الادارية التي يمكن من خلالها تحقيق الكثير من الخطوات الاصلاحية المطلوبة، أم أن قاعدة المحاصصة والمحسوبيات لم تغادر بعد ذهن القوى السياسية وما تزال تقف حائلاً دون القيام بهذه العملية البالغة الأهمية في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، مشددة على أن استمرار النكد السياسي والنكايات سيزيد الأزمة تعقيداً.
وفي تقدير هذه المصادر أن لبنان أمام أشهر ثلاثة مفصلية وهو دخل في سباق حقيقي مع الوقت فإما يشرع في تنفيذ عملية إصلاح حقيقية تبعث الاطمئنان في نفوس الدول التي تريد أن تمد يدها لمساعدته، وإما أن يتلكأ وتزداد أزماته تعقيدا خصوصا وأن ما يقال حتى الساعة ما زال أقرب إلى «جعجعة من دون طحين»، وهو ما يمنع مسارعة العالم إلى نجدة لبنان وانتشاله من الأزمات التي يتخبط بها.
وفي نظر المصادر أن على الحكومة الانتقال إلى العمل الجدي ومغادرة دائرة العمل الكلاسيكي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وأول ما يجب أن تقوم به هو إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية بشكل عملي وجدي وعدم الاكتفاء بالمطالبة بهذا الأمر إعلامياً فقط دون القيام بأي خطوات في هذا السبيل.