على وقع اتهامات رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح "المتربصين والمجرمين" باستهداف المتظاهرين العراقيين وقوات الأمن على حد سواء و"ترويع" وسائل الإعلام، دخل العراق أسبوعه الثاني من عمر التظاهرات الشعبية، فكانت تخفت حينا وتتوهج أحيانا، اذ لا يمكن القول أنها انتهت، كما لا يمكن القول أنها بتصعيد مستمر، فما هي المستجدات العراقية؟
صدر يوم الجمعة الماضي خطاب المرجعية الدينية لدعم مطالب المتظاهرين وقطع الطريق على كل من رأى بالتحركات العراقية "حربا" سياسية على دول الجوار، فالمرجعية الدينية التي حملت همّ العراق على أكتافها في السنوات الماضية، وحررته من سطوة "داعش" بفتوى الجهاد الشهيرة التي كانت خلف تأسيس الحشد الشعبي، ولا يمكن أن تتجاهل مطالب الشعب الذي يعيش الظلم والفقر ويعيش مسؤولوه الثراء الفاحش.
حمّلت المرجعية الدينية المسؤولية للسلطة القضائية والأجهزة الرقابية والمجلس النيابي والحكومة، فاستمرت التظاهرات يوم السبت الماضي، وسقط ضحايا وجرحى، يقول بعضهم أنهم سقطوا برصاص القوى الأمنية، وبعضهم يقول أنهم سقطوا برصاص "قناصة مجهولي الهوية"، ولكن النتيجة كانت واحدة وهي "الموت".
ترى مصادر عراقية مطّلعة أن خطاب المرجعية كان بمثابة إعلان "فشل" الاحزاب الشيعية في السلطة، خصوصا بعد أن ظن كثيرون أنها ستطالب بوقف التظاهرات على اعتبار انها تشكل مدخلا لأعداء العراق، ينفذون منه الى الداخل العراقي، ولكن المرجعية لم تكن لتعلن ذلك وتسكت عن حقوق المتظاهرين والظلم اللاحق بهم، لذلك فقد وضعت خطة بمثابة خريطة طريق تؤدي بنهايتها لوقف التظاهرات، ولكنها تبدأ بعمل سريع يُظهر "جدّية" من قبل المسؤولين، على أن تكون الخطوة الأولى تشكيل لجنة مستقلة تحدد خطوات مكافحة الفساد وتحقيق الاصلاح وتمنح صلاحية محاورة ممثلين عن المتظاهرين.
بعد خطاب المرجعية لم يعد بإمكان المسؤولين العراقيين التعامل مع التظاهرات على انها "مدفوعة" من قبل أعداء العراق كما أراد البعض وصفها، فمما لا شكّ فيه أن "قوى" مختلفة تدخل على خط تحركات الناس على أمل توجيه رسائل سياسية أو أمنية، وهذا أمر حصل في العراق في الأيام الماضية، ولكنه لا يعني أن الشعب العراقي لم يتحرك من ألم يصيبه يوميا، وبالتالي بدأ التفكير في كيفية المعالجة.
تشير المصادر الى أن البداية كانت شبيهة "بالرشوة"، فصدرت قرارات تضمنت توزيع منح مالية ورواتب وأراض سكنية على الفقراء والعاطلين عن العمل، ولكن هذا الأمر لم يلبّ الطموحات، ولم يكن كافيا، فصدرت الثلاثاء الماضي مجموعة جديدة من القرارت التي تحاول تلبية طلبات المتظاهرين، وفيها تشكيل لجان حكومية ومهام للوزارات تستهدف الفقراء والعاطلين عن العمل، وتشكيل لجنة عليا لتوزيع الأراضي السكنية، توزيع منظومات طاقة شمسية متكاملة لثلاثة الاف عائلة فقيرة مجانا، دعم الشركات الصغيرة وشركات المقاولات الثانوية وشركات البرمجيات وشركات الملابس لتوفير عدد كبير من فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل، دراسة تخفيض سن التقاعد للموظفين وتقديم رؤية للحكومة خلال أسبوعين لاستبدالهم بالشباب العاطلين عن العمل، وتشكيل لجان في المحافظات لمتابعة تنفيذ قرارات الحكومة.
إن هذه الاجراءات دفعت بآلاف العراقيين لانهاء المظاهرات، الأمر الذي قلّص أعداد المتظاهرين في الشارع والذين باتوا ينقسمون بحسب المصادر الى نوعين، النوع الاول هو الذي يسعى للاطاحة بالحكومة، ويطالب بتغيير النظام، والنوع الثاني هو الفريق الذي يعمل لأهداف خفيّة متعلقة بالسياسة والأمن والاستقرار، مشيرة الى أن التعاطي مع المتظاهرين سيكون بحسب هذين النوعين.
لم يكن تصريح رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض موفقا عندما هدد بالتدخل لمنع اي انقلاب في العراق، لأن الشعب العراقي الذي دفع أثمانا غالية منذ تحرره من قبضة صدام حسين يحتاج الى العناية والرعاية لا العنف، وبحال وُجد بعض المندسين المتواطئين فهنا يكون التخلص منهم واجبا، على ألا يتم تعميم "التواطؤ" على كل المتظاهرين.