لم يطل الأمر طويلا على تسريبات تفيد بمفاوضات تجري بين قادة الميليشيا الإنفصاليّة "قسد" والحكومة السوريّة برعاية ايرانيّة، حتى أطلقت أنقرة شارة بدء عمليّتها العسكريّة الموعودة صوب شرق الفرات، بعدما مهّد الرئيس الأميركي الطريق امامها عبر قرار سحب قواته من المنطقة، فيما يبدو وكأنه عمليّة استدراج لتركيا ورئيسها رجب طيّب اردوغان الى "فخّ ما"، في وقت برز تحرّك عربي-خليجي دون ضوضاء بقيادة السعودية نحو دمشق، بهدف الدّخول على خطّ لجم "الغريم" التركي، دفع بالثنائي السعودي-الإماراتي الى عقد اجتماع أفضى –بحسب ما أكدت مصادر صحافيّة مواكبة، الى ضرورة التواصل مع الحكومة السوريّة، كاشفة عن مفاجآت قادمة ستُتوّج بخطوة خليجيّة غير مسبوقة تجاه دمشق تستقطب أنظار الجميع!
اما وقد انطلقت "الغزوة" التركيّة امس على متن جهوزيّة 85 الف جندي تركي- بحسب ما ذكرت صحيفة "ملييت" التركية، و80 الفا من المرتزقة المنضوين تحت لواء ما يُسمى "الجيش الوطني السوري" الذي جهّزته انقرة، والذين سيكونون بطبيعة الحال رأس حربة الغزو التركي الجديد للأراضي السوريّة.. حريّ التوقف عند المواقف الحقيقية-غير المُعلنة ربما، للدول الإقليميّة المرتبطة بالنزاع السوري ازاء هذه العمليّة، ومصلحتها في انهاء ظاهرة الإنفصاليين الكرد في شرق الفرات.
في مقابل "الصّدمة" التي عكستها وسائل الإعلام العبريّة من قرار الرئيس الأميركي بسحب قواته من شمال شرق سورية وتخلّيه عن حلفائه الكرد على "اسرائيل"- التي لم توفّر فرصة لمؤازرة الإنفصاليّين هناك عبر دعمهم بالسّلاح والتدريب في معسكرات بتل ابيب، بهدف "غرس كيان انفصالي كردي" على الأرض السورية، من دون اغفال الإستفادة "الإسرائيليّة" المباشرة من النفط السوري المنهوب الذي تُطبق عليه الميليشيا الإنفصاليّة في شرق الفرات.. الى حدّ اعتبار صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريّة، انّ التخلّي الأميركي عن الحلفاء "ليس سكّينا في ظهرالكرد وحسب، بل في ظهر " اسرائيل" ايضا..
لم تُخف طهران في بيان خارجيّتها، "قلقها ازاء الدّخول المُزمع للقوّات التركية الى الأراضي السّورية وما سينجم عنه من خسائر بشريّة ومادّية"- بحسب ما جاء في البيان...الا انّ طهران تتوجّس في الوقت ذاته من تحرّك الأكراد على اراضيها مع نظرائهم في سوريا والعراق وتركيا، وتدرك جيّدا ارتباط الإنفصاليين الكرد في شرق الفرات بواشنطن وتل ابيب والدعم السعودي لهم، بهدف إنشاء "اسرائيل ثانية" في المنطقة على الأرض السوريّة..كما ادراكها ايضا بتحكّم حزب "البيجاك" –الموالي لإسرائيل، بقرار الإنفصاليين هناك، وما تمركز مقاتلي هذا الحزب في جبال قنديل على الحدود العراقيّة- الإيرانيّة بدعم اميركي-اسرائيلي الا لجعلهم "خنجرا في الخاصرة الغربيّة لإيران..هذا من دون اغفال معرفة طهران بوقوف هؤلاء خلف مساعدة "اسرائيل" في تسديد غاراتها على مواقع الحشد الشعبي العراقي، انطلاقا من شرق الفرات.
يبقى السؤال" ماذا عن موقف موسكو الفعليّ من العملية العسكرية التركية، ومصلحتها "غير المعلنة" في انهاء ظاهرة الإنفصاليين الكرد وتحرير شرق الفرات؟
في حين لم تبرز "حدّة" في ردّة الفعل الروسية ازاء انطلاق العملية العسكرية التركية صوب شرق الفرات نظرا لحساسية العلاقة والتفاهمات المُبرمة بين الطّرفين، الا انّ موسكو تدرك –كما يُجمع خبراء عسكريّون روس، على انّ أجهزة الإستخبارات المعادية تنشط بشكل غير عادي في مناطق سيطرة الإنفصاليّين الكرد..بدءا بال "سي آي اي"، مرورا بالموساد الإسرائيلي، وال "ام آي 6" والإستخبارات الخارجيّة الألمانيّة والفرنسيّة والتركيّة، كما استخبارات دول عربيّة وخليجيّة.. ولطالما تحدّثت تقارير استخباريّة روسيّة عن حريّة المقاتلات المعادية –وضمنا الإسرائيلية، بشكل يوميّ في اجواء منطقة شرق الفرات، واستهداف مواقع عسكرية سورية كانت توضع في خانة "طائرة مجهولة"..تماما كالذي حصل ليل 30 تموز المنصرم حين اقدمت احدى المقاتلات الإسرائيلية على استهداف موقع عسكري سوري جنوب القامشلي.
اكثر من ذلك، رصدت الإستخبارات الرّوسيّة-بحسب ما ذكرت تقارير صحافية منذ مدّة، خطة معادية لاستهداف القوات الروسيّة انطلاقا من شرق الفرات، في وقت سُجّل تصاعد في وتيرة قصف قاعدة حميميم بدرونات مذخّرة بشكل مكثّف، اكّدتها لاحقا صحيفة "الغارديان" البريطانيّة، حيث كشفت في 17 حزيران المنصرم، عن خطّة وضعها قادة عسكريّون بريطانيّون لمواجهة روسيا في سورية، عبر قوّات خاصّة بريطانيّة أوكل اليها تنفيذ مهمات سريّة-وليس عسكرية تقليديّة، تتضمّن عمليّات تصفية واغتيالات اضافة الى تجنيد عملاء.. وصوّبت الصحيفة في هذا الإطار على عناصر ميليشيا قسد، مشيرة الى انّ جنرالات وخبراء عسكريّين روس طالبوا اكثر من مرّة بضرورة ان تحسم موسكو قرارها بمساعدة دمشق وحلفائها لتحرير ادلب، للإنطلاق سريعا الى الشرق السوري.
اما دمشق-صاحبة القرار الأول والأخير، التي لطالما أقلقتها نزعة الكرد الإنفصاليّة باعتبارها "خنجرا يهدّد وحدة الأراضي السوريّة"، كما ارتباط الإنفصاليين الوثيق بإسرائيل والإحتلال الأميركي، وإطباقهم على "كنوز" المنطقة النفطيّة والغازيّة وحرمان الدولة السوريّة وشعبها من هذا الحقّ.. لا شكّ انها تريد انهاء هذه الظاهرة لكن دون اسقاط عزمها مقارعة الإحتلال التركي لأراضيها، وهذا ما أعلنته غير مرّة على لسان المسؤولين السوريين كما الرئيس بشار الأسد، قبل ان تؤكد امس استعدادها لمواجهة الغزو المستجدّ بكل الوسائل المتاحة.
فهل سنشهد مواجهة عسكرية بين الجيش السوري والقوّات التركيّة الغازية؟ وما صحّة ودقّة الأنباء التي تتحدّث عن "كمائن" تنتظر اردوغان في مناطق الكرد، "واحتمال ان يكون الرئيس دونالد ترامب قد نصب فخّا للسّلطان"- وفق ما ذكرت صحيفة " فزغلياد" الروسية؟
وفيما تنقل الصحيفة عن رئيس الأبحاث في معهد حوار الحضارات أليكسي مالاشينكو قوله" إنّ افساح الأميركيين الطريق امام اردوغان للقيام بعمليّته العسكرية في شرق الفرات" هو فخٌّ له"..مرجّحا الا يمرّ الغزو التركي الجديد للأراضي السوريّة، دون هجمات ارهابيّة عنيفة في تركيا.. يكشف مصدر صحافي روسي وُصف ب"الموثوق" لموقع china.org الإخباري الصّيني، عن قرار مفاجئ أُعطي لقيادة الجيش السوري دون الدّخول في تفاصيله..مرجّحا حدثا تركيا داخليا غير متوقع في حزب العدالة والتنمية يهزّ انقرة وحكم الرئيس اردوغان!