نظم مركز فينيكس للدراسات اللبنانية في جامعة الروح القدس - الكسليك ورابطة آل أبي صعب - الكفور ندوة بمناسبة صدور كتاب الخوري يوسف أبي صعب "محطات من تاريخ لبنان"، من إعداد الدكتور الياس القطار، ومن منشورات المركز، في حرم الجامعة، شارك فيها نقيب محرري الصحافة اللبنانية الأستاذ جوزف القصيفي، رئيس بلدية الكفور، المهندس أنطوان حنا أبي صعب، معد الكتاب الدكتور الياس القطار، النائب البطريركي العام على أبرشية جونية المارونية المطران أنطوان نبيل العنداري، القائم بأعمال سفارة منظمة فرسان مالطا في لبنان الأستاذ فرنسوا أبي صعب ونجل الخوري يوسف أبي صعب المحامي شارل أبي صعب.
وتحدث نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي عن الجو القروي الأصيل الذي ترعرع فيه الخوري يوسف في بلدته الكفور، لافتا إلى أنه "كان شديد الذكاء يحدوه حب الاطلاع والمعرفة، ويتمتع بذاكرة مدهشة، وبباصرة تلتقط أدق التفاصيل، وأذن تعرف كيف تنصت، وبعقل يجيد المقارنة والمقاربة، وبإرادة مصممة على وجوب ألا يكون صفرا على شمال الحياة، بل في صميمها. ودفعه حبه لبلدته إلى أن يسارع إلى كتابة تاريخها". أضاف: "الخوري يوسف مفخرة كفورية، أنقذ ذاكرة البلدة من التلف والنسيان، وأسس لمن يأتي بعده، مهيئا الطريق لمتابعة كتابة تاريخ هذه البقعة المباركة من فتوح - كسروان، الذي أنعم الله عليها بالموقع الرائع المطل على جمالات لا تحيط بها عين، ولا تستوعبها لوحة مبدع، وأكثر العدسات دقة أنه قامة كهنوتية، وطنية، علمية، تربوية، حفرت صخرة نجاحها بإبرة الطموح والايمان الذي يزلزل الجبال من مواضعها".
ثم ألقى رئيس بلدية الكفور المهندس أنطوان حنا أبي صعب كلمة عن الخوري المؤرخ يوسف أبي صعب، معبرا فيها "عما تعلمناه من "أبونا يوسف" وما تركه من أثر فينا: ما تعلمناه، أن الثقافة لا تحتاج إلى كثير من الدراسة في المدارس والجامعات. وأن المرء يستطيع باجتهاده الخاص أن يحصل العلوم التي يريدها، إن أرادها أما ما تركه هذا الكاهن الوقور والقديس من أثر فينا، فهو صورته البهية، صورة الكاهن المليء حكمة ومعرفة وروحانية".
وألقى معد الكتاب الدكتور الياس داود القطار كلمة اعتبر فيها أن "انتماء الخوري يوسف كان لبنانيا يعلو فيه على المجموعات الطائفية والدينية، داعية وحدة وطنية. وكان بحسه العملي، يسعى لتدعيم مداميك لبنان اللبناني بأبحاث تكشف طبيعته وجوهره، وتحترم ديمقراطيا رغبة الغالبية من بنيه عند إعلان لبنان الكبير". أضاف: "كان يقين الخوري يوسف أبي صعب بأن الجواب على تحديد هوية لبنان يكون في البحث التاريخي، فكرس لتاريخ الجبل اللبناني مقالات متعددة متنوعة مبنية على قاعدة صلبة من الاسناد إلى الوثائق".
أما المطران العنداري فقال: "للخوري يوسف أبي صعب مؤلفات عدة لا تزال مخطوطة، لكنه اعتنى أولا بتحرير كتاب "تاريخ الكفور- كسروان وأسرها" الذي استغرقت كتابته خمسا وأربعين سنة. فجاء عمله تاريخا مطولا لبلدته، وباحثا مدققا جعله يتعرف إلى الكثيرين من محبي الأدب والتاريخ، ويجول في المناطق اللبنانية مستعلما ومقيما العلاقات مع ذوي الشأن. وفيما كان يهم بطباعته لدى مطبعة المرسلين اللبنانيين، وافته المنية، فأشرف ولده الأستاذ شارل أبي صعب على نشر عمل والده عبر الطباعة والتنقيح". أضاف: "أحب الخوري يوسف التاريخ، شأنه شأن العديد من أهل زمانه، وإن لم يكن عالما بالضوابط الأكاديمية كالمنهجية في الكشف عن الأحداث. فكتب بقلبه وفكره وقلمه، وانتقد البعض من الأدباء والمؤرخين مصوبا ومستدركا التصحيحات التي رآها واجبة. أما موهبته في إبراز الحجج ووضع شجرات العائلات وأسرها فكان يزينها بالرسومات المناسبة كفروع عائلات أبي صعب الفغالية القاطنين في الكفور-كسروان، وآل الدحداح وعلام وعيراني وبني مشروقي وسواهم".
ثم ألقى مستشار والقائم بأعمال سفارة منظمة فرسان مالطا في لبنان ورئيس رابطة آل أبي صعب - الكفور كسروان فرنسوا أبي صعب كلمة، جاء فيها: "لقد جمع الخوري يوسف أبي صعب المجد من طرفيه، فلم يحصر رسالته في نطاق الكنيسة بل جعلها أشمل وأرحب. لم يخبئ الوزنة بل انطلق من رحاب الكنيسة إلى رحاب الكفور باحثا منقبا مفتشا في زوايا التاريخ وحنايا البيوت العتيقة، كاشفا عن تاريخ هذه البلدة وأسرها وآثارها ومناظرها وكهنتها. ذلل الصعاب، وتحلى بالشغف وحب الاطلاع، فراح يغوص في التاريخ قارئا ومحللا وباحثا. عرف أنه عضوا في العائلة الكفورية، فنزل إلى أرض الكفور جامعا بين كونه رجل الله ورجل الإنسانية. لقب بكاهن الجيش اللبناني، فكان أبا وأخا للجميع، وحظي باحترام الجميع. قضى ما يقارب الثلاثين عاما يقرأ ويبحث ويحلل حتى وضع كتابه "تاريخ الكفور وأسرها".
بعده، تحدث نجل المحتفى به المحامي شارل الخوري أبي صعب باسم العائلة. ونوه بدور جامعة الروح القدس، لاسيما في مجال "الثقافة والأدب والتاريخ والتراث، بحيث أصبحت الملاذ الأمين للعديد من المكتبات الخاصة، تحتضن بين حناياها تراثا يتمثل بالصكوك والوثائق والمخطوطات نادرة الوجود. إنها صرح يحول المجهول إلى كائن حي، وشتات الورق المبعثرة إلى كلمات تقرأ من جديد بعد لملمة حروفها، والكتب الممزقة إلى مجلدات تحكي بين أوراقها كيفية ترميمها وإعادة الحياة إليها. وفي هذا الإطار، أصدر مركز فينيكس للدراسات اللبنانية في الجامعة هذا الكتاب الذي يجمع بين صفحاته ما خطه من أبحاث ومقالات في أهم الدوريات اللبنانية".
واختتمت الندوة بتوقيع الكتاب وشرب نخب المناسبة، بالاضافة إلى افتتاح معرض وثائق ومخطوطات من مجموعة الخوري يوسف أبي صعب، يفتح أبوابه من العاشرة صباحا حتى الرابعة بعد الظهر، ويستمر لغاية 11 تشرين الأول 2019.