ماذا.؟ أَتسكُتُ والأذى يتكلَّـمُ فانطِقْ نذْرتُك للحقيقةِ يـا فـمُ
الشـرُّ يعجـزُ أنْ يحطِّـم فكـرَهُ الفكـرُ مثلُ اللـهِ لا يتحـطّمُ.
الإِعلامُ كما الأَعلامُ هما رمـزٌ للحرّيـة، وكلُّ مَنْ حاول التحرُّشَ بحوريِّـة الحريّـة طاردتْـهُ الأفاعي من فردوس السلطة...
تستطيع السلطةُ، السلطةُ الجائرةُ العاتيةُ الفاسدة، أَنْ تحطِّـم شعباً، أنْ تدمِّـر بلداً، أن تكفَّـر ديناً، وأنْ تستبيح قانوناً ولكنّها إنْ حاولتْ أن تتصدَّى للإعلام تتحطّم هي، الفكرُ مثلُ الله لا يتحطّمُ.
مِـنْ قيصر روسيا، الى هتلر، الى نابوليون، وعبد الحميد الثاني، وموسوليني الى كاسترو، حاولوا أن يُخيفوا الصحافة فأخافتْـهُمْ...
القلم «أقبحُ من الشيطان» في مملكة القيصر، وهو «بوابـة جهنم» في نظـر كاسترو... وعبد الحميد، كان يتمنّى لو «وضع محرري الصحف في آتون النار»...
ونابوليون عندما وضع الصحافة تحت رحمة مـدير الشرطة، بـدأت الأمبراطورية النابوليونية بالإنهيار.
الحرية السياسية هي أمّ الحريات، إذا سقطت تهاوَتْ معها الحريات الأخرى التي يحـدّدها علم النفس: حريـة الإرادة، والحريـة النفسية، والحريـة الطبيعية، والحريـة الأخلاقية، وتنتهي الحريـة المدنية في قبضة الحاكم المستبـدّ.
نحن، في لبنان تحديداً، الحريـة السياسية والإِعلامية عندنا، كالروح للجسد، من دونهما يصبح الوطن مقبرةً للجثث الحيّـة، ليس لأن لبنان في عمقه التاريخي موئـلٌ للحريـة فحسبْ، بـل لأننا في وطـنٍ تقهقرت الدولةُ فيـه الى الخلْـفِ المتخلِّف في التاريخ السياسي القديم، حيث كان الملك شبه إلـه، ثـم كان الحاكم والخليفة والأمير والزعيم والوزير، وقـد ارتقوا سلَّـم المجد على جماجم العبيد.
الحكم عندنا ديمقراطية ديكتاتورية، حكومة تحكم، ومجلس يبصم، كلُّهم مـن أهل بيـتٍ واحد، يرقصون على وقع طبْـل ربِّ البيت، لا مراقبة، لا محاسبة، يرتكبون الفضائح، ويتستَّرون بأوراق التين.
الديمقراطية بلا مراقبة ولا معارضة هي حكم الرعاع كما يقول أفلاطون.
في إنكلترا المعارضة كانت تقبض معاشاً يستقيم بها الحكم، عندنا تقبض الموالاة معاش المعارضة كبدل عن ضائع.
الدول الديكتاتورية المستبّدة تقطع لأصحاب الأقلام مذكرات توقيف، حتى وإنْ لم يكتبوا..
إذا مورِستْ هذه الأوامر البوليسية في هذا اللبنان، فسلّموا على هذه المرحومة التي إسمها الدولة، وانتظروا ثورة شمشون وسقوط الهيكل عليه وعليكم..
في وطـنٍ كلُّ ما فيه فواحش، يحتاج الكاتب الصحافي الى أصابع إضافية ليتمكّن من إستلحاق مآسي البؤس والفساد، وإلاّ فالسيفُ أصدقُ إنبـاءً من الكتبِ».
ولكنّ الأقلام التي تتجـنّد للحريـة، عليها أيضاً أن تكون متحررة من إغراءات المصارف والسفارات والزعامات وتجّـار الرقيق، القلم يكتب على الأوراق البيضاء لا بالأوراق الخضراء، وصريـر الريشة الذهبية، أعظم من رنين الـذهب وأكـرم.
عندما تُـنْتهك السلطات الثلاث، فلا يبقى من مجال للإنقاذ إلاّ السلطة الرابعة.
نعم... هكذا قال خطيب الثورة الفرنسية ميرابو: «إنَّ السلطة الرابعة هي المسؤولة عن الحريـة وحقوق الإنسان أمام الأمـة والتاريخ».