من كثرة مشاغل اللبنانيين وهمومهم اليومية من ​دولار​ وليرة وربطة خبز وصفيحة ​البنزين​ وغيرها، لم يعودوا يتلفتون كثيرًا إلى ما يحدث في ​العالم​ من ​أخبار​ وتطورات، ليعرفوا أين هم.

منذ أيام مرَّ خبرٌ في صحيفة بلجيكية يقول:

"قررت رئيسة ​المفوضية الأوروبية​ ​الجديدة​" أورسولا فون دير لين "Ursula von der Leyen" والتي ستبدأ عملها من ​بروكسيل​ بداية الشهر المقبل، أن تسكن في شقة مساحتها لا تتجاوز 25 مترًا مربعًا، على بعد أمتار قليلة من مكتبها في ​بروكسل​ وهذا يعني أنها لا تحتاج الى حراسة اضافية لتحرس سكنها، وهذا الإختيار هو رسالة واضحة إلى المفوضية الاوروبية بانه من الآن فصاعدًا المطلوب المحافظة على أموال دافعي ​الضرائب​.

"فون دير لين" من أصل ألماني وهي كانت وزيرةً للدفاع في بلادها قبل ان يتم انتقالها الى بروكسيل كرئيسة للمفوضية الاوروبية.

***

ما المغزى من هذا الكلام؟

الالمان، كمعظم شعوب الدول الأوروبية، دخلوا منذ زمن عصر التقشف مع الحفاظ على اساسيات ومتطلبات الشعوب في حاجاتهم الاساسية: تأمين صحي، ​مستشفيات​، مدارس، جامعات، بيئة نظيفة، كهرباء، مياه، مواصلات ونقل عام، وغيرها، اما "البهرجة والفخفخة" فباتت تثير اشمئزازهم: من سيارات فارهة إلى منازل فيها من الغرف أكثر مما فيها من البشر، يعيشون هذه ​الحياة​ وباتوا مقتنعين ان رسالتهم تأمين مستقبل مشرِّف للأجيال الآتية وليس القضاء على فرص الحاضر وما هو حق للأجيال الآتية.

بهذه الذهنية سيستقبل الألمان ​الوفد اللبناني​ بعد أسابيع قليلة، من ضمن الجولات التي تتم والتي بدأت بالمؤتمر الإستثماري الإماراتي - اللبناني، وتستمر بزيارة ل​ألمانيا​ و​فرنسا​ و​المملكة العربية السعودية​، سعيًا لوضع مفاعيل مقررات "سيدر" على سكة التنفيذ... لكن إذا رأى الالمان مظاهر البذخ لدى الوفد اللبناني، فما عساهم سيقولون؟ هل يقولون: كيف ان وزيرة دفاعنا التي أصبحت رئيسة المفوضية الأوروبية، ستسكن في شقة من 25 مترًا، فيما الوفد اللبناني الآتي إلينا من بلد المئة مليار دولار دَينًا، قادرٌ على الظهور بمظاهر البذخ هذه؟

لذا يا سادة، تنبَّهوا! البذخ إشارة سلبية ستجعل الألمان يمتنعون عن السماع إلى مطالبكم.

***

لكن إذا كانوا قادرين على ضبط البذخ لأيام في ألمانيا، فماذا عن تواصل البذخ في الداخل وفي بعض رحلات الخارج؟

لماذا لا يُتخذ قرار فوري بوقف بدلات ​المحروقات​ إلا للمهام العسكرية؟

لماذا لا تُلغى كل الأسفار إلى الخارج إلا السفر الذي تقتضيه الظروف القصوى؟

لماذا لا يخفض عدد اطقم بعض السفارات في الخارج؟

لماذا ولماذا وألف لماذا؟

***

إن موازنة 2020 لناظرها قريبة.

أنجز وزير ​المال​ ​علي حسن خليل​ ما عليه، و​مجلس الوزراء​ يواصل درس ومناقشة بنود ​الموازنة​. وما هو منتظر أن تُحال الموازنة إلى ​مجلس النواب​ للمباشرة بدرسها وإصدارها في قانون ونشرها في ​الجريدة الرسمية​ لتُصبح نافذة.

عسى ان تكون الموازنة تقشفية لأن "العين بصيرة واليد قصيرة".

***

قديمًا قيل "حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر".

يُخشى اليوم أن لا يكون هناك حقل وبالتالي لا شيء على البيدر.