بعد نقابة أصحاب محطات المحروقات والإضرابات المتكررة التي تفتعلها ثم تتراجع عنها بعد خلق أزمة في الشارع اللبناني، على خلفية "الشح" في الدولار، يبدو أن الوقت حان لتقوم نقابة أصحاب الأفران بالأمر نفسه، بالرغم من أن كل المعطيات تؤكد أن ما تقوم به ليس إلا محاولة إبتزاز، عبر إعلان الإضراب نهار الاثنين المقبل، الأمر الذي دفع وزير الإقتصاد والتجارة منصور بطيش إلى تأكيد رفضه ابتزاز المواطنين بلقمة عيشهم.
في هذا الموقف، يستند وزير الإقتصاد والتجارة على دراسة مولها الإتحاد الأوروبي، وأجريت بالتعاون مع مكتب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق بناء على طلب تقدمت به المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري التابعة لوزارة الإقتصاد والتجارة، وقام بها خبير بريطاني مستقل، كان الهدف من إختياره العمل بتجرد من دون أي تدخلات، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة عبر "النشرة".
وتشير هذه المصادر إلى أن الدراسة التي أجريت على أرض الواقع، أمتدت على نحو 6 أشهر، وهي وضعت للمرة الاولى معادلة حسابية تتضمن عناصر كلفة انتاج الخبز، وتؤكد أن الأرقام التي حصلت عليها الدراسة كانت مباشرة من أصحاب المطاحن والأفران. فما الذي أظهرته هذه الدراسة؟
استندت هذه الدراسة على احتساب الكلفة بناء على القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في مجال العمالة اللبنانية والأجنبية، من حيث كلفة الاشتراكات في الضمان الاجتماعي والتعويضات العائلية، إجازات العمل للأجانب، كلفة البطاقات الصحية، بالإضافة إلى كلفة مباشرة أخرى كسعر الطحين والطاقة والسكر والخميرة وما إلى هنالك من مواد أولية.
بحسب المعطيات التي كشفتها الدراسة، فإن كلفة ربطة الخبز المباشرة المحددة السعر، التي يشتريها المواطن بسعر 1500 ليرة، يصل إلى 740 ليرة، ومع وضع هامش خطأ 15% تصل الكلفة إلى 850 ليرة، لكن مع إضافة كلفة الفوائد والإهتلاك والضرائب وإستهلاك الدين وأكلاف أخرى مثل الذريبة على الأرباح وكلفة صالات العرض، يكون لدى أصحاب الأفران أرباح ما بين 10 إلى 12% في ربطة الخبز، وهو رقم عادل جداً بالنسبة لهم بحسب ما تؤكد المديرة العامة للحبوب والشمندر السكري بالتكليف نادين عون لـ"النشرة"، وتسأل: "كيف اذا أضيف لها الأرباح الناتجة عن بيع أصناف الخبز الأخرى والسلع المتعددة التي تحقق أرباحاً أكبر؟"
وتشير عون إلى أنه في متابعة لأسعار جميع الأكلاف المباشرة التي يتكبدها أصحاب الأفران، فإن جميعها لا تزال هي نفسها، من الطحين إلى السكر إلى المازوت، رغم الحالة الإقتصادية التي تمر بها البلاد، وبالتالي لا يزال لديهم الأرباح نفسها في ربطة الخبز، أي أن ليس لديهم أي حجة لإعلان الإضراب، وتؤكد أن وزارة الإقتصاد والتجارة لن تسمح بإستغلال الأزمة من قبل أي كان.
وفي حين توضح عون أنه لم يحصل إرتفاع في الأسعار في السلة الإستهلاكية، في الأشهر الأخيرة، تلفت إلى أن مشكلة الإستيراد بالدولار هي مشكلة المطاحن أولاً وليست مشكلة الأفران، لكنها تشير إلى أن هذه المشكلة يجري العمل على معالجتها من قبل المعنيين، حيث من المفترض أن يجتمع أصحاب المطاحن مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يوم الاثنين، لحل هذا الموضوع.
وعلى الرغم من أن عون تشير إلى أن أصحاب الأفران يعتبرون أن الأزمة تكمن بأن أصحاب المطاحن يطلبون منهم الدفع بالدولار الأميركي، الأمر الذي يجري العمل على معالجته، يبدو أن المشكلة الحقيقية هي في مكان آخر في ما يتعلق بأصحاب الأفران، حيث مطلبهم الأساسي هو تعديل سعر ربطة الخبز بطريقة غير مباشرة، أي خفض وزنها 100 غرام مع الإبقاء على سعرها الحالي أي 1500 ليرة.
في المحصلة، هذه الأزمة ليست في أسعار الدولار أو أي أمر آخر، لكن على ما يبدو قررت نقابة الأفران إستغلال الواقع الحالي لزيادة أرباحها من خلال السعي إلى خفض وزن ربطة الخبز أو رفع سعرها.