يحبس الللبنانيون أنفاسهم، تتلاحق الازمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة، تفرغ جيوبهم من الاموال، يفرض الغلاء وارتفاع الاسعار نمطا جديدا في حياتهم، يتقدم "التقسيط الشهري" كخيار لا بديل عنه امام العجز عن تأمين "الكاش"، بدءا من شراء المنازل (القروض السكنية التي توقفت منذ العام الماضي)، مرورا بالبضائع والمنتوجات، وصولا الى الخطوبة والزواج، ليصح القول في واقعنا "باتت حياتنا بالتقسيط".
وبدت الضائقة الاقتصادية تترجم في توالي الازمات، ينام اللبنانيون على واحدة، ويستيقظون على "كابوس"، من التلاعب بسعر صرف الدولار الاميركي بعد وقف التحويلات في المصارف، الى التهديد بوقف تسليم البنزين لمحطات الوقود، الى التهويل بارتفاع ثمن الادوية واضراب المخابزوصولا الى ارتفاع المواد الغذائية، كل ذلك فرض على المواطنين خيارين، الاول فرض نمط جديد في الحياة يقوم على قاعدة "التقسيط" واستبدال "الاصيل بالتقليد" في محاول للتأقلم مع الواقع الجديد والتقشف الى أبعد حدود، بعد التوقف عن شراء "الكماليات" والاكتفاء بـ"الضروريات"، والثانيالقيام بتحركات شعبيّة احتجاجا على تردّي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية لم ترقَ حتى الان الى المستوى المطلوب للتأثير على قرارات المسؤولين.
هذه التحركات الاحتجاجية،جاءت نتيجة الركود في الاسواق التجارية في صيدا، اذ لم تجدِ لا عرض التشكيلات الجديدة مع اقتراب موسم الشتاء، ولا الحسومات التي تصل الى 70% ولا التصفيات ولا حرق الاسعار، التي اعلنها التجار واصحاب المحال من تنشيطها واعادتها الى طبيعتها، ما ينذر بعواقب وخيمة، والسبب وفق ما يقول التجار "غياب السيولة المادية واكتفاء الناس بشراء الضروري جدا، بعد اعتماد اسلوب الضرورة، ما أجبرهم على خيارات حلوها مرّ، إمّا اقفال بعض المحال او تسريح عدد من الموظفين او خفض رواتبهم، او دوامهم الى النصف، او اعلان الافلاس.
قبل ايام، دقّ "إضراب الساعة" في صيدا الذي دعت اليه "جمعية تجار صيدا وضواحيها" في اطار حراك الهيئات الاقتصادية، احتجاجاً على انهيار القطاع الخاص ومستوى معيشة المواطنين، تحت عنوان "معاً منعاً للإنهيار"، ناقوس الخطر من تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية. عبّر التجار عن نقمتهم من الاعباء المالية التي ينأون بحملها، دعوا الى تصعيد الحراك وصولا الى الاضراب والعصيان المدنيوبخاصة أن ليس هناك أي مؤشر للتحسن والحلحلة، معبرين عن رفضهم لأيّة ضرائب جديدة تزيد من اعباء القطاع التجاري الذي يعاني اساساً موتاً سريريا.
خلال ساعة من الوقت، عبر التجار عن وجعهم المزمن على مدى سنوات خلت، وقال نائب رئيس "جمعية تجار صيدا وضواحيها" محمد القطب لـ"النشرة"، ان "اضراب رسالة الى كل المسؤولين اللبنانيين لتحمل مسؤولياتهم كاملة قبل فوات الاوان، فالانكماش الاقتصادي والضائقة المالية أجبرت الكثير من التجار على الافلاس، هناك 14% من المحال اقفلت في السنوات الاخيرة، والوضع لم يعد يطاق، ومن بقي يقاوم برمقه الاخير"، مشددا "ان الاقفال هو بداية للتعبير عن الوضع المزري الذي وصل اليه حال التجار".
بينما قال التاجر ماهر الرشيدي، أن صيدا التي تعاني دون باقي المدن اللبنانية عزلة تامة من الجنوب والاقليم، بعدما كانت مقصدا، لقد طفح الكيل ولم نعد بقادرين على تحمل الضرائب، ويجب ان يتدحرج التحرك الى اقفال تام وإضراب شامل على صعيد كل لبنان وليس صيدا فقط، على المسؤولين ايجاد حلول جذرية، التجار "أكلوا اكبر كفّ" لجهة الضرائب والايجارات وركود حركة البيع، اننا ندعو الدولة من "رأس الهرم الى أصغره" لايجاد حلول، لانه لا يستطيع احد الوقوف امام ارادة الشعب".
ووصف التاجر احمد حمدان، الوضع الاقتصادي في صيدا ولبنان قاطبة، بأنه "زلزال مدمر" للاقتصاد اللبناني، قبل ان يضيف "نحن تجار صيدا، نعلن انّ لبنان القوي، لم يعد قويا لا اقتصاديا ولا ماليا ولا اجتماعيا وهو بات ضعيفا و"تحت الصفر"، اللبناني لم يعد قادرا على العيش بكرامة، ولم يعد يتحمّل دفع الضرائب وتأمين مستلزمات الحياة، ودفع الايجارات ولا القروض، لبنان قويّ على الحدود لكنه ضعيف في الداخل والفقر والعوز بات يأكل الناس"، ان الدولة اللبنانية دفعت الشعب الى التظاهر والاضراب والآتي اعظم، لا حلول تلوح في الأفق ونحن ذاهبون الى الاسوء، نناشد العهد القوي توجيه رسالة الى الشعب لشرح الاوضاع واين نقف في الطريق، وماذا ننتظر.
خلاصة القول، ان ما يعانيه الإقتصاد والقطاع التجاري في لبنان عموما، وفي مدينة صيدا يكشف الواقع الكارثي المتفاقم الذي وصلت اليه اوضاع المؤسسات التجارية، وما تشهده من تعثر لبعضها واقفال لمؤسسات أخرى تحت وطأة تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وعبء الإيجارات وزيادة مؤشر التضخم السنوي عليها، وتزايد الضرائب والرسوم والكلفة التشغيليّة على التجار وأصحاب المهن وفي المقدمة منها مشكلة الكهرباء والفلتان الحاصل بالتهريب وعدم إستيفاء الرسوم الجمركيّة والفساد المستشري في أغلب المؤسسات وعدم وجود إستثمارات جعل من الوضع يبدو أقرب الجحيم.