لفت معلم المبتدئين في دير المخلص في جون الأب الدكتور نضال الجبلي، إلى أنّ "التأمل هو الصلاة في أسمى مراتبها، فيه يلتقي المتأمِّل بالله لقاءً وديًّا مُحاورًا إيّاه ومتبصّرًا مليًّا ما تكشّف عن وجه الله في الكتاب المقدس، الّذي من شأنه أن يسرّ النفس ويُبدّل الإنسان ليصبح إنسانًا جديدًا مملوءً من الخير، مُبتعدًا عن كلّ أنواع الشرور وممتنعًا عن كلّ خطيئة أو شبه خطيئة".
وأوضح خلال إلقائه محاضرة بعد توقيع كتابه في دير المخلص في جعيتا، أنّ "المرحلة الأولى من التأمل الّتي نستعين فيها بالكتاب المقدس، تستمرّ ستة أشهر إلى سنة، نعتمد في شرحها على كتابات مؤسّس "اليسوعية" القديس إغناطيوس دي لويولا"، مبيّنًا أنّ "في هذه المرحلة الأولى والمُسمّاة عادةً الصلاة العقليّة، يعتمد التأمل فيها على عقله، في عمليتَي الاستقراء والاستنتاج، ليحدس أمورًا جديدة، فتصبح عقليّته عقليّة جديدة ممتلئة من قناعات إنجيليّة وكتابيّة جديدة، يصبح معها عقل المتأمل متجدّدًا".
وبيّن الأب الجبلي أنّ "في المرحلة الثانية، ينتقل المتأمل من إعمال عقله إلى إعمال قلبه، ليجلس مع الله بحبّ وود. وتُدعى المرحلة الثانية، الاختلاء مع الله الّذي نعرف جيّدًا أنّه يحبّنا، اختلاءً به بمعزول عن ضوضاء العالم كلّه وصخبه، هو التفاتة حب نحو الله". وذكر إلى أنّ "هذا الكتاب يضمن لكلّ مسيحي الوصول إلى نهاية المرحلة الثانية، فكلّ ما تقدّم يدعى التأمل المُكتسب، وهو وفق الإرادة البشريّة الصالحة الراغبة في التأمل".
وركّز على أنّ "المرحلة الثالثة وتُدعى تأمل السكينة، فيها تتلقّى النفس بشكل فائق الطبيعة أمورًا مفاضة تُشعرها بلذّة حب الله، تبدأ من شرارة حبّ صغيرة يشعلها الله بالنفس وتنتهي باتحاد كامل به، محصّنة عقلها وذاكرتها وإرادتها لتكون في اتحاد مطلق معه، راغبةً دومًا في تسبيح الله وتمجيده إلى درجة الموات من أجله". وأشار إلى أنّ "ما يميّز المرحلة الثالثة عن سابقاتها، هو عمل الله في النفس، وليس عمل الإنسان".
ونوّه بالنسبة إلى المرحلة الرابعة، إلى أنّ "في تأمل الاتحاد هذا، يفيض الله على النفس حبًّا ومعرفة تجاهه سيسمح له المجد أن يلمس الجوهر الإلهي، جوهر النفس الإنسانيّة، فتتيقّن النفس من وجود الله الساكن بداخها وتتجرّد من كلّ شيء، وتتمنّى أن تحيا مع الله دائمًا إلى الأبد".
كما أكّد الجبلي "أنّنا استعرضنا في هذا الكتاب مراحل التأمل الأربع، وكيفيّة القيام بكلّ مرحلة تقنيًّا، الصلاة العقليّة، تأمّل الاختلاء، تأمّل السكينة وتأمّل الاتحاد، وما تثمر كلّ مرحلة من الثمار الروحيّة". وكشف "أنّنا قد تيقّنا من خلال بحثنا هذا أنّ التأمل هو من تراث الكنيسة الشرقية، كما الغربية منها، ومعتمد اعتمادًا كليًّا على الكتاب المقدس، ويرقى بتاريخه إلى مطلع المسيحيّة منذ القرن الأول. كما أوضحنا أنّ التأمل مشابه إلى حدّ بعيد لأسرار الكنيسة السبعة، ويرقى إلى درجة تسميته "السر الثامن".