مِن ذكرى 13 تشرين الأَوَّل 1990، ذكرى بدء المَخاض لولادة لبنان الحرِّ السَّيِّد والمستقلِّ... إِلى 13 تشرين 2019، أُسسٌ جديدةٌ باتَت تتحكَّم بالمُعادلات السِّياسيَّة في لبنان والمنطقة، لا بل وفي العالم بأَسره... ويبدو أنَّ نقلة الـ 9 من الـ90 إِلى الـ19، تزامنت مع نقلاتٍ نوعيَّةٍ في الواقع السِّياسيِّ في عالمنا اليوم...
لا نَقول هذا من باب اللَّعب على الكلام –لا سمح الله– أَو "الفذلكات اللُّغويَّة–التَّعبيريَّة"، لأنَّ المُناسبة، وبقدسيَّتها ورمزيَّتها العميقة في النِّضال الوطنيّ الشَّريف، كما وفي التَّضحيات المُقدَّسة على مذبح الوطن، تجعلنا نقف أَمام ذكرى 13 تشرين، وقفة ضميرٍ واسْتِشرافٍ للمُسْتقبل، لنَطْرح السُّؤَال المَصيريَّ: أَين نحن اليوم؟ وفي خضمِّ أيِّ أَمواجٍ عاتيةٍ نتخبَّط؟ وأَين نحن في البُوصلة وأَين المَنارة المُرْشدة إِلى ميناء الخَلاص؟.
وحين نقول ثمَّة مُتغيِّراتٍ كثيرةً، خلال عقدَيْن من الزَّمن، يجب ألاَّ ننسى ثمار "حرب التَّحرير" الَّتي غرسَها العماد ميشال عون في العام 1989، فأَثْمرت استقلالاً حقيقيًّا للأَرض، واستقلالاً مشكوكًا فيه لبعض النُّفوس... فالتَّحرير إذًا تمَّ بلوغه، ويبقى التَّحرُّر من التَّبعيَّة الماليَّة و"رذيلة" المَصالح الضَّيِّقة الشَّخصيَّة، وهذا ما يأَمْل فيه الرَّئيس العماد عون اليوم...
عقدان من الزَّمن شهدا حُروبًا تكفيريَّة اندَحرت تنظيماتُها وانكفأَت، حتَّى قبل أَن يُسجَّل رجسُها على صُخور نهر الكلب، لتترك السَّاحة لـ"أَكاديميَّة الإِنْسان والتَّواصل" الَّتي شيَّدها رئيسٌ من بلادي، كان في الـ 90 بطلاً استقلاليًّا وبات في الـ 19 حامل شعلة السَّلام المبنيِّ على الحُقوق الوطنيَّة كما والإنسانيَّة الجامعة...
عقدان من الزَّمن بات لبنان خلالهما على مَشارف التَّنقيب على النَّفط، ولذا قد تَكون الأَصْوات المُشكِّكة بقيامة لبنان اقتصاديًّا، إِنَّما تبتغي من خلال حملاتها "التَّيْئيسيَّة" الشَّنيعة، خَفْت بَريق الازْدهار المُنْتظر لبنانيًّا، بعد انْطلاق مَسيرة الإِصْلاح والتَّغيير، ووقف الإِهْدار والتَّسيُّب وإِغْلاق أَبواب الفَساد إِلى الأَبد...
إِنَّ صورة الجنديِّ الحارس لمبنى "كليَّة العلوم" في الفنار حَيْثُ "الإِذاعة اللُّبنانيَّة" آنذاك، في 13 تشرين 1990، الَّذي كان يلطم رأْسه بالجدار الإِسْمنتيِّ بعد إِعْلان العماد عون في رسالته الإِذاعيَّة من جنود الجيش اللُّبنانيِّ البواسل، الانْضواء تحت إِمرة العماد إِميل لحُّود "حقنًا للدِّماء"، ما زالت أَمام ناظريَّ بعد عقدين، وقد بلغ الإِحْباط فينا نحن الإِعلاميِّين "المُتطوِّعين" درجاته القُصوى، كما وانسحب الإِحْباط على كلِّ حبَّة تُراب من الوطن... فاعذرنا يا لبنان لأنَّنا لم نكن لنصدِّق أنَّ قيامتك آتيةٌ لا مَحالة... اعذرنا لأنَّنا شكَّكنا حينها – لهَوْل آلام الخَلاص – برسالة العماد عون بصوت فيروز المُترفِّع عن هول اللَّحظة، المرنِّم بثقةٍ: "بكرا برجع بوقَف معكن، إذا مش بُكرا البَعْدو قريب... إِنتو حْكوني وأَنا بِسْمعكن حتَّى لولا الصَّوْت بعيد"...
هو الرَّئيس الرُّؤيويُّ العابر للبنان، الحامل رسالته المشرقيَّة في أَرض التَّواصل ودولة الحقَّ الَّتي لن تقوى يومًا عليها أَبواب الجحيم ولا أَبواقه، فلا تخافوا أَيُّها المواطنون لأَنَّ رئيسكم "لا يصل صنِّين إِلى كتفه" المُزْدان بنجوم الشَّرف والتَّضحية والوفاء...
إِنَّه الرَّئيس المُدْرك للأَخْطار الإِسرائيليَّة المُحْدقة، ولأَهميَّة القضايا العربيَّة ووحدة الموقف تجاه التَّحدِّيات الدّاهمة من كلِّ حدبٍ وصوبٍ...
في تشرين الـ 90، جاؤوه بالحَديد والنَّار... وفي الـ 19 ردَّ عليهم بالتَّواصل والسَّلام، بعدما وفى بوعده: "نُريد وطنًا حرًّا سيّدًا مستقلاًّ"...
إِنَّ التَّشكيك بالوطن كفرٌ، والتَّشكيك برئيسه العماد عون كفرٌ أَيْضًا و"يا أَيُّها الكافرون توبوا".