في 26 أيلول الماضي وقف رئيس الجمهورية ميشال عون على منبر الأمم المتحدة في نيويورك وأطلق التصريح الشهير بشأن نيّة التوجّه الى سوريا لحل مسألة النازحين السوريين في لبنان، ولم ينتظر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لأكثر من أسبوعين لكي يترجم خطاب الرئيس بشأن الزيارة.
في ذكرى 13 تشرين أعلن باسيل عن نيته زيارة دمشق لإعادة النازحين اليها كما عاد جيشها، فكان حديث وزير الخارجية استكمالا لحديث الرئيس عون الذي كان بحسب مصادر سياسية مطّلعة السبب الاساسي لانفجار العديد من الأزمات بوجه الحكومة، إضافة الى بعض تحركات الشارع. وتضيف المصادر: "موقف باسيل جاء حاسما وأكيدا وهو قرار قد اتخذ منذ بعض الوقت، اذ لم يعد هناك من مجال لانتظار الحلول العربيّة، ومصلحة لبنان يجب ان تكون اولويّة فوق كل الاعتبارات الاخرى".
تربط المصادر حديث باسيل عن ضرورة عودة سوريا الى الجامعة العربية وزيارته اليها لمتابعة ملف النازحين، بلقاء السبع ساعات الذي جمعه بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، خصوصا وأن الحزب من ابرز الداعين لفتح قنوات اتصال مع سوريا، ولكن هذا الملف يفتح باب التساؤل حول موقف باقي الأطراف على طاولة مجلس الوزراء، فهل باسيل سيتوجه الى دمشق بتكليف من الحكومة او بصفته الشخصيّة، خاصة ان التيار الوطني الحر بالحكومة السابقة عندما وجهت الدعوة لوزير الاقتصاد رائد خوري للمشاركة في أحد المؤتمرات بدمشق، لم يستجب للدعوة على قاعدة انه لا يريد الذهاب بصفة خاصة بل بتكليف رسمي، فهل سيمر الموضوع مرور الكرام مثل زيارات باقي الوزراء، ام سيشهد اشتباكا على طاولة مجلس الوزراء؟!.
منذ أشهر توجه وزراء حركة "أمل" و"حزب الله" الى سوريا لمتابعة ملفات تهمّ وزاراتهم، ولكن الجدل حول رسمية او خصوصيّة الزيارات كانت تنتهي بلا نتيجة واضحة، اذ أن الأطراف المعنية بالتوضيح، اي "أمل" والحزب، ورئيس الحكومة سعد الحريري متفقون على "عدم الوضوح"، تقول المصادر السياسية، مشيرة الى أن زيارة باسيل لن تختلف من حيث هذه النقطة، اذ لن يُعلن الحريري علانيّة موافقته على الزيارة الرسمية، ولذلك تعمّد رئيس الحكومة عند تعليقه على خطاب باسيل بالقول "اذا أراد رئيس التيار الوطني الحر" التوجه لسوريا فهذا شأنه"، مشدّدة على أن الحريري لم يتحدث عن باسيل بصفته وزير الخارجيّة في حكومته إنما كرئيس لتيار سياسي لبناني.
وتكشف المصادر أن الحريري يعلم بأن طريق لبنان باتجاه سوريا ستُفتح، ولكنه يحاول اختيار اللحظة المناسبة له لكي يتحدث عن افتتاحها، مشيرة الى أن رئيس مجلس الوزراء اقتنع بهذا الأمر منذ تاريخ تشكيل الحكومة الجديدة ولكنه طلب الحفاظ على ماء الوجه في السياسة، وعدم حشره في هذا الملف تحديدا، لذلك كان توجه الوزراء الى دمشق سابقا يتم على أساس انه زيارات خاصة، لافتة النظر الى أن الحريري سيعلن عودة العلاقات الرسمية بين لبنان وسوريا بعد عودة سوريا الى حضن الجامعة العربية، و"تطبيع" العرب للعلاقات معها، لذلك فإن مسؤولي تيار المستقبل يشددون على ان لبنان لا يريد الخروج عن الإجماع العربي في الملفّ السوري، ولا يقولون أن لبنان لن يستعيد علاقاته الطبيعية مع دمشق.
لا يمكن القول أن الدولة السوريّة لا تريد عودة النازحين قبل الحديث معها، كما لا يمكن بظل الوضع الاقتصادي الصعب أن نرفض الحديث مع الحكومة السورية لتخفيض الضرائب المفروضة على الشاحنات التي تنقل البضائع اللبنانيّة من لبنان الى الدول العربيّة عبر سوريا، وبالتالي لم تعد العلاقة مع دمشق ملفا سياسيا، بل شرطا أساسيا لحماية ما سماه باسيل "رئة لبنان الاقتصادية".